الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  5029 79 - حدثني إسحاق بن منصور، أخبرنا روح بن عبادة، حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا قال: كانت هذه العدة تعتد عند أهل زوجها واجبا، فأنزل الله: والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج فإن خرجن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن من معروف قال: جعل الله لها [ ص: 8 ] تمام السنة سبعة أشهر وعشرين ليلة وصية، إن شاءت سكنت في وصيتها، وإن شاءت خرجت، وهو قول الله تعالى: ( غير إخراج فإن خرجن فلا جناح عليكم فالعدة كما هي واجب عليها، زعم ذلك عن مجاهد.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة، وشبل -بكسر الشين المعجمة وسكون الباء الموحدة- ابن عباد -بفتح العين المهملة وتشديد الباء الموحدة- المكي، يروي عن عبد الله بن أبي نجيح -بفتح النون وكسر الجيم وبالحاء المهملة- واسمه يسار -ضد اليمين- وقد مضى هذا بهذا السند والمتن في تفسير سورة البقرة، ومضى الكلام فيه هناك.

                                                                                                                                                                                  قوله: "عن مجاهد والذين... " إلخ، أي عن مجاهد أنه قال في قوله تعالى: والذين يتوفون ... إلى آخره، وقوله: "قال كانت هذه العدة" توضح هذا المقدار، أي قال مجاهد: كانت هذه العدة وأشار بها إلى العدة التي تتضمنها هذه الآية.

                                                                                                                                                                                  قوله: "واجبا" القياس واجبة بالتأنيث، ولكن كذا وقع في رواية لأبي ذر عن الكشميهني، ووجهه إما باعتبار الاعتداد، وإما بتقدير أن يقال: أمرا واجبا، وإما أن يجعل الواجب اسما لما يذم تاركه، ويقطع النظر عن الوصفية.

                                                                                                                                                                                  ووقع في رواية كريمة: واجب بالرفع، ووجهه أن يكون خبر مبتدأ محذوف أي أمر واجب، أو أن يكون كانت تامة ويكون قوله: "تعتد" مبتدأ و"واجب" خبره، على طريقة قولك: تسمع بالمعيدي خير من أن تراه، ويكون التقدير: وأن تعتد أي: واعتدادها عند أهل زوجها واجب، كما يقدر في تسمع أن تسمع، ثم يقول: أي سماعك بالمعيدي خير من أن تراه، أي من رؤيته.

                                                                                                                                                                                  قوله: "قال جعل الله" أي قال مجاهد: جعل الله ... إلى آخره، وحاصل كلام مجاهد أنه جعل على المعتدة تربص "أربعة أشهر وعشرا" أو أوجب على أهلها أن تبقى عندهم سبعة أشهر وعشرين ليلة تمام الحول.

                                                                                                                                                                                  وقال ابن بطال: هذا قول لم يقله أحد من المفسرين غيره، ولا تابعه عليه أحد من الفقهاء، بل أطبقوا على أن آية الحول منسوخة وأن السكنى تبع للعدة، فلما نسخ الحول في العدة بالأربعة أشهر وعشرا نسخت السكنى أيضا.

                                                                                                                                                                                  وقال ابن عبد البر: لم يختلف العلماء في أن العدة بالحول نسخت إلى أربعة أشهر وعشرا، وإنما اختلفوا في قوله: " غير إخراج " فالجمهور على أنه نسخ أيضا.

                                                                                                                                                                                  قوله: "زعم ذلك عن مجاهد" أي قال ذلك ابن أبي نجيح عن مجاهد: إن العدة الواجبة أربعة أشهر وعشرا، وتمام السنة باختيارها بحسب الوصية، فإن شاءت قبلت الوصية وتعتد إلى الحول، وإن شاءت اكتفت بالواجب. ويقال: يحتمل أن يكون معناه: العدة إلى تمام السنة واجبة، وأما السكنى عند أهل زوجها ففي الأربعة الأشهر والعشر واجبة، وفي التمام باختيارها، ولفظة "فالعدة كما هي واجبة عليها" يؤيد هذا الاحتمال، وحاصله أنه لا يقول بالنسخ والله أعلم.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية