الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              5303 5626 - حدثنا محمد بن مقاتل، أخبرنا عبد الله، أخبرنا يونس، عن الزهري قال: حدثني عبيد الله بن عبد الله أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهى عن اختناث الأسقية. قال عبد الله: قال معمر أو غيره: هو الشرب من أفواهها. [انظر: 5625 - مسلم: 2023 - فتح 10 \ 89]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن اختناث الأسقية. يعني: أن تكسر أفواهها فيشرب منها.

                                                                                                                                                                                                                              وفي رواية: نهى عن اختناث الأسقية. قال عبد الله - يعني: الراوي، عن يونس - : قال معمر أو غيره: هو الشرب من أفواهها. وأخرجه مسلم وأبو داود وابن ماجه والترمذي .

                                                                                                                                                                                                                              اسم أبي سعيد: سعد بن مالك بن سنان، وفيه ابن أبي ذئب، واسمه: محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث، أبو الحارث فقيه أهل المدينة، ممن كان يأمر بالمعروف.

                                                                                                                                                                                                                              وفي رواية لابن أبي عاصم - بإسناد صحيح - قال: شرب رجل من في السقاء وهو قائم فانساب في بطنه جان، فنهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن اختناث الأسقية.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 217 ] ولابن ماجه من حديث سلمة بن وهرام، عن عكرمة، عن ابن عباس: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن اختناث الأسقية أن تشرب من أفواهها وأن رجلا - بعد ما نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك قام من الليل إلى سقاء فاختنثه فخرجت عليه منه حية ، وأصله عند الترمذي مصحح ، قال الأثرم: وفي هذا بيان ما ذكرنا من أن النهي كان بعد الفعل، وإنهم كانوا يفعلونه على ما في حديث كبشة: أنه - عليه السلام - شرب من فم قربة ، وكذا رواه أنس بن مالك حتى نهوا عنه .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن حزم: فإن قيل: إنه - عليه السلام - شرب من فم قربة، قلنا: لا حجة في شيء منه; لأن أحدها من طريق الحارث بن أبي أسامة ، وقد ترك، وفيه البراء ابن بنت أنس، وهو مجهول، قلت: لا بل حالته معلومة بالثقة فيما ذكره ابن حبان، وآخر من طريق يزيد بن (حارثة) ، عن عبد الرحمن بن أبي عمرة، ولا أعرفه قلت: ابن أبي عمرة معروف

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 218 ] وحديثه عند الجماعة وأثنى عليه غير واحد - وآخر من طريق رجل لم يسم ثم لو كان ذلك صحيحا كانت تكون موافقة للمعهود بالأصل، والنهي بلا شك إذا ورد ناسخ لتلك الإباحة بلا شك ومن المحال أن يعود المنسوخ ناسخا أو لا يأتي بذلك بيان حكم، ثم ذكر أنه صح عن ابن عمر أنه شرب من فم إداوة .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن وهب فيه علة أخرى وهي أنه ينتنه

                                                                                                                                                                                                                              وروي عن ابن عياض، عن هشام بن عروة، عن أبيه: أنه - عليه السلام - نهى أن يشرب من في السقاء; وقال: إنه ينتنه .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن التين : فأظن أن هذه الأخبار لم تبلغ مالكا، فلذلك أجاز الشرب من أفواهها، وقال: ما بلغني فيه نهي، قيل: فمن ثلمة القدح وما يلي الأذن. قال: قد سمعت فيه سماعا وما علمت عنه شيئا، وكأنه يضعفه. وذلك أن الترمذي روى عن عبد الله بن أبي قتادة قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - قام إلى قربة معلقة فحلها ثم شرب من فيها .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو داود من حديث أبي سعيد الخدري: أنه - عليه السلام - نهى عن الشرب من ثلمة القدح، والنفخ في الشراب ، وقال مالك: يكره النفخ في الطعام والشراب جميعا . [ ص: 219 ] وقد تحصلنا على معنيين: إما أن يكون فيه حيوان، وفي معناه: قذى يبتلعه. وإما لنتن أفواهها، وقذى ضمها ابن العربي وذكره مالك عن النص.

                                                                                                                                                                                                                              و(أبدى) بالباء وهو لئلا يغلبه الماء فيقع عليه أكثر من حاجته فيشرق أو يبتل ثيابه، وواحدها يكفي، ومجموعها أقوى في المعنى.

                                                                                                                                                                                                                              وشربه - عليه السلام - ، قالوا: للضرورة، أو كانت حال ضرر لعدم الإناء، ولم يعط الحال التمكين من التفريع معه، لكن كان شربه في بيت وهي حالة تمكن لا ضرر أو لعلمه إنما شرب من إداوة.

                                                                                                                                                                                                                              والنهي محمول على القربة الكبرى ونحتاج إلى مزيد نقل من أهل اللغة، ثم إن شربه من فيها جائز لطيب نكهته وعصمته من أذى الحيوان وأمنه بتلطفه عن صب الماء، وقال المهلب : معنى هذا النهي - والله أعلم - على وجه الأدب; لجواز أن يكون في أفواهها حية أو بعض الهوام لا يراها الشارب فيدخل جوفه، وقد قيل: إن ذلك على سبيل التقذر; لأنه لا يدخلها فيه.

                                                                                                                                                                                                                              فائدة:

                                                                                                                                                                                                                              تقول العرب: خنثت السقاء وانخنث السقاء إذا مال، ومنه قيل للمخنث: مخنث; لتكسره وميله إلى شبه النساء.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              قوله: (يعني: تكسر أفواهها فيشرب منه).

                                                                                                                                                                                                                              قال الخطابي : أحسب هذا التفسير عن الزهري، ومن هنا اشتق المخنث; لتكسره وتثنيه.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (أفواهها) جمع (فما) على أفواه; لأن أصل فم: فوه تقضب منه الهاء; لاستثقالهم اجتماع هائين في قولك: هذا فوهه بالإضافة،

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 220 ] فحذفوا الهاء فلم تحتمل الواو الإعراب لسكونها فعوضوا بها الميم، فإذا صغرت أو جمعت رددته إلى أصله، فقلت: فويه - وأفواه، ولا تقل: أفمام.

                                                                                                                                                                                                                              وفيه لغات: - فتح الفاء منه رفعا ونصبا وجرا وكسرها مطلقا، ومنهم من يعرفه في مكانين فيقول: رأيت فما، وهذا فم، وعجبت من فم.

                                                                                                                                                                                                                              وأما تشديد الميم فيجوز في الشعر، كقوله:


                                                                                                                                                                                                                              يا ليتها قد خرجت من فمه حتى يعود الملك في أسطمه.



                                                                                                                                                                                                                              قال ابن السكيت: ولو قيل من فمه بفتح الفاء لجاز .

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن فارس: يقال: فم بالضم والتشديد .

                                                                                                                                                                                                                              ولم يكن ضرورة شعر، وهو ما في "الصحاح" .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية