الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              5364 5688 - حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب قال: أخبرني أبو سلمة، وسعيد بن المسيب أن أبا هريرة أخبرهما أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " في الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا السام". قال ابن شهاب: والسام: الموت، والحبة السوداء: الشونيز. [مسلم: 2215 - فتح 10 \ 143]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه حديث عائشة - رضي الله عنها - بقصته أنها سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن هذه الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا السام". قلت: وما السام؟ قال الموت.

                                                                                                                                                                                                                              وحديث أبي هريرة مرفوعا: "إن الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا السام". قال ابن شهاب: والسام: الموت، والحبة السوداء: الشونيز.

                                                                                                                                                                                                                              الشرح:

                                                                                                                                                                                                                              حديث عائشة هو من رواية خالد بن سعد، عن ابن أبي عتيق، عنها، وقد أخرجه ابن ماجه ، وليس لخالد عندهما غيره، وهو حديث غريب، هذا الحديث من طريقها، وطريق أبي هريرة دال

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 361 ] بعمومه على الانتفاع بالحبة السوداء في كل داء غير الموت كما قال - صلى الله عليه وسلم - ، وأوله الموفق البغدادي بأكثر الأدواء وعدد جملة من منافعها.

                                                                                                                                                                                                                              وكذا قال الخطابي : هو من العموم الذي أريد به الخصوص، وليس يجتمع في شيء من النبات جميع القوى التي تقابل (الطباع) كلها في نفاذ الأدوية، وإنما أراد شفاء كل داء يحدث من الرطوبة والبلغم، لا في حار يابس .

                                                                                                                                                                                                                              قلت: إلا أن أمر ابن أبي عتيق في حديث عائشة بقطر الحبة السوداء بالزيت في أنف المريض لا يدل أن هكذا سبيل التداوي بما في كل مرض، فقد يكون من الأمراض ما يصلح للمريض شربها أيضا، ويكون منها ما يصلح خلطها لبعض الأدوية، فيعم الانتفاع بها مفردة ومجموعة مع غيرها.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (ثم اقطروها في أنفه) هو ثلاثي يقال: قطر الماء وغيره يقطر قطرا، وقطرته أنا، يتعدى ولا يتعدى، وقوله: (فاسحقوها) هو ثلاثي أيضا أي: أسهلوها.

                                                                                                                                                                                                                              قال الخطابي : وليس ذلك في الحديث إنما هو من عنده، ولعل صاحبه الذي وصف له هذا السعوط كان مزكوما، والمزكوم ينتفع برائحة الشونيز .

                                                                                                                                                                                                                              قلت: وروى الإسماعيلي من حديث إسرائيل، عن منصور، عن خالد عن أبي بكر بن أبي عتيق حدثتني عائشة - رضي الله عنها - أن

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 362 ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "هذه الحبة السوداء التي تكون في الملح شفاء من كل داء" وربما قال: "واقطروا عليها شيئا من زيت"، وابن أبي عتيق: هو (عبد الله) بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر، وقيل: هو محمد بن عبد الرحمن، حكاهما ابن التين ، وقد أدرك محمدا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وروى عنه، ولأبيه وجده أربعة في نسق، وليس هذا إلا في هذا البيت ، ومن جهة أخرى راجعة إليه: عبد الله بن الزبير ابن أسماء بنت أبي بكر بن أبي قحافة.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              ذكر في حديث الباب عن الزهري أن (الحبة السوادء: الشونيز)، وذكر في حديث الزبيدي، عنه، عن أبي سلمة، عنه: (والحبة السوداء: الشونيز)، وفي "جامع الترمذي": قال قتادة: حديث أبي هريرة أنه قال: "الشونيز دواء من كل داء إلا السام". قال قتادة: يأخذ كل يوم أحدا وعشرين حبة من الشونيز فيجعلهن في خرقة، وينقعها ويستعط بها في كل يوم مرة في منخره الأيمن قطرة وفي الأيسر قطرة، والثاني في الأيمن واحدة وفي الأيسر ثنتين والثالث في الأيمن قطرتين وفي الأيسر قطرة .

                                                                                                                                                                                                                              وفي "الطب" لأبي نعيم من حديث العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة مرفوعا: "ما صح من دام في الحبة السوداء منه شيئا إلا السام" ومن

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 363 ] حديث صالح بن حيان، عن عبد الله بن بريدة عن أبيه مرفوعا: " الحبة السوداء فيها شفاء من كل داء إلا الموت" وفي لفظ: قال ابن بريدة: يعني: الشونيز الذي يكون في الملح. قال أبو نعيم: الشينيز فارسي الأصل. ومن حديث الهيثم بن خارجة ثنا سعيد بن ميسرة، عن أنس - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا اشتكى بطن أحدكم يأخذ في كفه شونيزا فاستفه ثم شرب عليه عسلا" .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن أبي عاصم من حديث سالم، عن أبيه مرفوعا: "عليكم بالحبة السوداء فإن فيها شفاء من كل داء إلا السام".

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              قال القرطبي: قيد بعض مشايخنا (الشونيز) بفتح الشين المعجمة، قال ابن الأعرابي: إنما هو الشينيز، كذا تقوله العرب، وقال غيره: الشونيز - بالضم، وهي الحبة الخضراء، والعرب تسمي الأخضر أسود وعكسه، وهي (شجرة) البطم، وهو المسمى بالضرو، وقيل: إنها الخردل. وما في الحديث أولى، ولأنه أكثر منافع من الخردل وحب الضرو .

                                                                                                                                                                                                                              وقال الموفق البغدادي: هو الكمون الأسود ويسمى الكمون الهندي، ثم ذكر منافعه، من جملتها أنه يشفي من الزكام إذا قلي وصر وشم، ويقتل الدود إذا أكل على الريق وإذا وضع في البطن من خارج لطوخا، ودهنه ينفع من داء الحية، ومن الثآليل والخيلان، وإذا [ ص: 364 ] شرب منه مثقال نقع ضيق النفس والطمس والمحتبس، والضماد ينفع من الصداع البارد، وإذا نقع منه سبع حبات بالعدد في لبن امرأة وسعط به صاحب اليرقان نفعه نفعا بليغا، ودخانه يطرد الهوام.

                                                                                                                                                                                                                              وذكر ابن البيطار له منافع أخرى: منها أنه إذا ضمد به السن أخرج الدود الطواف وينفع من البهق والبرص طلاء يؤكل، ويسقى بالماء الحار والعسل للحصاة في المثانة والكلى، وإن عجن بماء الشيح أخرج الحيات من البطن، وإذا ضمد أوجاع المفاصل نفعها، وخرج الأجنة أحياء وموتى والمشيمة.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية