الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              5315 5638 - حدثنا الحسن بن مدرك قال: حدثني يحيى بن حماد، أخبرنا أبو عوانة، عن عاصم الأحول قال: رأيت قدح النبي - صلى الله عليه وسلم - عند أنس بن مالك - وكان قد انصدع فسلسله بفضة - قال: وهو قدح جيد عريض من نضار. قال: قال أنس: لقد سقيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذا القدح أكثر من كذا وكذا. [انظر: 3109 - فتح 10 \ 99]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              قال: وقال ابن سيرين: إنه كان فيه حلقة من حديد، فأراد أنس أن يجعل مكانها حلقة من ذهب أو فضة فقال له أبو طلحة: لا تغيرن شيئا صنعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . فتركه.

                                                                                                                                                                                                                              هذا رواه البخاري في الاعتصام عن أبي كريب: ثنا أبو أسامة، عن بريد، عن أبي بردة.

                                                                                                                                                                                                                              وفي مناقب عبد الله بن سلام: حدثنا سليمان بن حرب، ثنا شعبة،

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 242 ] عن سعيد بن أبي بردة، عن أبيه فذكره .

                                                                                                                                                                                                                              وذكر فيه أيضا حديث سهل بن سعد: ذكر للنبي - صلى الله عليه وسلم - امرأة من العرب، فأمر أبا أسيد الساعدي أن يرسل إليها، فأرسل إليها، فقدمت فنزلت في أجم بني ساعدة، فخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى جاءها فدخل عليها، فإذا امرأة منكسة رأسها، فلما كلمها النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: أعوذ بالله منك ... الحديث، سلف في النكاح .

                                                                                                                                                                                                                              وفيه: فسقيتهم فيه - يعني: في القدح - فأخرج لنا سهل ذلك القدح فشربنا منه، ثم قال: استوهبه عمر بن عبد العزيز بعد ذلك فوهبه له.

                                                                                                                                                                                                                              وشيخ شيخ البخاري فيه أبو غسان، وهو محمد بن مطرف مدني نزل عسقلان الشام، وشيخه سعيد بن أبي مريم هو سعيد بن محمد بن الحكم، أو الحكم بن محمد بن أبي مريم الجمحي مولاهم المصري مات سنة أربع وعشرين ومائتين، وفيه أبو حازم، واسمه سلمة بن دينار، وأبو أسيد اسمه مالك بن ربيعة بن البدن، وأخرجه مسلم أيضا .

                                                                                                                                                                                                                              وحديث أبي عوانة الوضاح عن عاصم الأحول قال: رأيت قدح النبي - صلى الله عليه وسلم - عند أنس بن مالك - وكان قد انصدع فسلسله بفضة - قال: وهو قدح جيد عريض من نضار. قال أنس: لقد سقيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذا القدح أكثر من كذا وكذا. قال: وقال ابن سيرين: كان فيه

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 243 ] حلقة من حديد، فأراد أنس أن يجعل مكانها حلقة من ذهب أو فضة فقال له أبو طلحة لا تغيرن شيئا صنعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . فتركه.

                                                                                                                                                                                                                              والبخاري ساقه عن الحسن بن مدرك، وهو أبو علي، وجده بشر سدوسي بصري حافظ الطحان، روى عنه النسائي وابن ماجه أيضا.

                                                                                                                                                                                                                              وقد سلف في الخمس عند البخاري، عن أنس: أن قدح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انكسر فاتخذ مكان الشعب سلسلة من فضة .

                                                                                                                                                                                                                              قال عاصم: رأيت القدح وشربت فيه، وهذا هو الذي عليه الحفاظ أن المتخذ له أنس بن مالك.

                                                                                                                                                                                                                              وللبزار من طريق فيها ضعف، عن ابن عباس أن المقوقس أهدى لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - قدح قوارير، فكان يشرب فيه .

                                                                                                                                                                                                                              وهذا غير ذاك، وإن توهم بعضهم أنهما واحد; لأن الأول من نضار بضم النون وكسرها، كما قاله أبو حنيفة، والأول أعرف، والثاني ذكره غير واحد.

                                                                                                                                                                                                                              قال شمر: وهي هذه الأقداح الحمر الحبشانية، وقال ابن الأعرابي: النضار: النبع، وقال - أيضا - : هو شجر الأثل، والنضار: الخالص من كل شيء . وقال ابن سيده: من التبر والخشب، وقيل: الخلاف.

                                                                                                                                                                                                                              قال أبو حنيفة: والكرم النضار وأجوده ما صنع من النبع، وكل آنية عند أهل البادية نضار.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 244 ] قال: وهو أجود الخشب للآنية ويعمل منه ما رق من الأقداح واتسع وما غلظ ولا يحتمله من الخشب غيره .

                                                                                                                                                                                                                              والقدح: النضار من أثل ورسي اللون.

                                                                                                                                                                                                                              قال القزاز: العرب تقول: قدح نضار مضاف إلى هذا الخشب، وإنما سمي الأثل: نضارا; لأنه ينبت في الجبل، وهو الخالص من العود وأجوده.

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن فارس: أثل يكون بالغور، والغور تهامة ومما يلي اليمن، والأثل: الشجر ونحوه في "الصحاح" غير أنه قال: وهو نوع من الطرفاء، والواحدة: أثلة .

                                                                                                                                                                                                                              وقال أيضا: يكون القدح ورسي اللون - يريد: أصفر - يضاف ولا يضاف . يريد: أنك تقول: قدح نضار وقدح نضار.

                                                                                                                                                                                                                              وذكر ابن عياش في "المنتهى" أنه الطويل من الأثل المستقيم الغصون.

                                                                                                                                                                                                                              وقال صاحب "العين": قدح من نضار يتخذ من أثل ورسي اللون وذهب نضار والنضار: الخالص .

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن الفاسي: النضار عود أصفر يشبه لون الذهب وهو أعتق العود.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              والأجم: جمع أجمة وهي الغياض قاله ابن بطال .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 245 ] وقال الخطابي : الأجم والأطم واحد، وهي الآطام والآجام وهي أبنية عالية تشبه القصور .

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              والشرب من قدحه عليه أفضل الصلاة والسلام وآنيته من باب التبرك بآثاره لعلي أراهم أو أرى من يراهم.

                                                                                                                                                                                                                              ومن باب الامتثال بفعله كما كان ابن عمر يصلي في المواضع التي كان يصلي فيها ويدير ناقته حيث أدارها تبركا بالاقتداء به وحرصا على اقتفاء آثاره.

                                                                                                                                                                                                                              ومن هذا ما يفعله الناس إلى اليوم من الدخول في الغار الذي اختفى فيه والصديق على صعوبة الارتقاء إليه والدخول فيه.

                                                                                                                                                                                                                              وهذا كله وإن كان ليس بواجب ولا لازم وإنما يحمل عليه فرط محبته، والاغتباط بموافقته وقد قال: "والله لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين" وهو بشهادة الله كذلك.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: ("اسقنا يا سهل") أراد أن يبسطه بذلك ويستدعي ما عنده من شراب وطعام، وهذا لا خلاف في استحبابه إذا كان الصديق طيب النفس وعلم من حاله ذلك، وفي مثل هذا قال تعالى: أو صديقكم [النور: 61].




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية