الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وكذلك رؤية المرئيات المختلفة لا تتضاد ، ولكن يتضاد تحريك الأجفان إلى جهتين مختلفتين ، فنفس الحركات متضادة ، وأما ما يحصل عنها من إدراك ، فليس هو في نفسه متضادا .

فإذا قدر إدراك لا يفتقر إلى حركة ، أو يحصل بحركة واحدة ، كمن ينظر إلى السماء بتحديق واحد ، لم يكن إدراكه لهذه المدركات في آن واحد متضادا ، فهل يمكن أن يقال في الصوت مثل ذلك ، وأنه يمكن حصول أصوات بلا حركات، وحينئذ فلا تتضاد تلك الأصوات المجتمعة في محل واحد في زمن واحد؟

فيه نزاع ، وجمهور العقلاء على امتناعه. فإن كان هذا مما يمكن اجتماعه صار كمعاني الكلام والصفات، وإن لم يمكن اجتماعه صار كالمتضادات .

وعلى هذا التقدير : فمن قال بإمكان اجتماع هذه الأمور، لم يكن في قوله من الاستبعاد أعظم من قول من يقول : تكون تلك الحقائق المختلفة شيئا واحدا . [ ص: 125 ]

وليس اجتماع ما يظهر تضاده بأعظم من اتحاد ما يعلم اختلافه .

وإذا قال القائل : الأمور الإلهية لا تشبه بأحوال العباد ، بل العبد يختلف علمه باختلاف المعلومات، وإرادته باختلاف المرادات ، ويتعدد ذلك فيه ، والباري ليس كذلك .

قيل : فإذا جوزتم أن يكون ما يعلم تعدده واختلافه في المخلوقين واحدا لا تعدد فيه ولا تنوع في حق الخالق، أمكن منازعكم أن يقول كذلك ، فيقول : ما يمتنع اجتماعه في حقنا لا يمتنع اجتماعه في حقه، لأنه واسع لا يقاس بالمخلوقين . بل اجتماع الأمور التي يظهر تضادها فينا أقرب من اتحاد الأمور التي نعلم اختلافها ، فإن كون الشيء هو نفس ما يخالفه ، أمر فيه قلب الحقائق .

وأما اجتماع الشيء وغيره في حق الخالق ، مع امتناع اجتماعهما في حق المخلوق، فيدل على أنه يمكن في حقه ما لا يمكن في حق الخلق، وذلك يدل على عظمته وقدرته .

التالي السابق


الخدمات العلمية