الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الوجه الثالث: أن يقال : ما ذكرته من الحجة معارض بتجويزك على الله إحداث الحوادث بعد أن لم تكن ، وهو كونه فاعلا ، فالفاعلية : إما أن تكون صفة كمال ، وإما أن لا تكون صفة كمال . فإن كانت كمالا ، كان قد فاته الكمال قبل الفعل، وإن لم تكن كمالا لزم اتصافه بغير صفات الكمال، وهذا محال لهذين الوجهين .

وإذا قلت : إن الفعل نسبة وإضافة .

قيل لك : وإضافة هذا الحادث إليه نسبة وإضافة ولا فرق بينهما إلا كون أحدهما متصلا والآخر منفصلا . [ ص: 89 ]

ومعلوم أن الإجماع على تنزيه الله تعالى عن صفات النقص ، متناول لتنزيهه عن كل نقص من صفاته الفعلية وغير الفعلية ، وأنت وجميع الطوائف تقسمون الصفات إلى صفات ذاتية وصفات فعلية ، ومتفقون على تنزيهه عن النقص في هذا وفي هذا .

وأيضا فهذا منقوض بسائر ما جوزوه من تجدد الإضافات والسلوب ، فإن الرب منزه عن الاتصاف بالنقائص في الثبوت والسلب والإضافة، فما كان جوابهم في المتجددات كان جوابا لمنازعيهم في المحدثات .

وهم يجيبون في المتجددات بأنه لا يمكن ثبوتها في الأزل .

فيقال لهم : وكذلك الحوادث المتعاقبة لا يمكن ثبوتها في الأزل ، وهو وأمثاله يجيبون الدهرية بمثل ذلك في مسألة حدوث العالم .

فإن من حججهم شبهة برقلس . قالوا: إن الجود صفة كمال ، وعدمه صفة نقص، فلو كان العالم قديما: لكان الرب تعالى في الأزل جوادا، ولو كان حادثا، لما كان الرب تعالى في الأزل جوادا لعدم صدور العالم عنه ، وهو محال .

ثم قال في الجواب: "وأما الشبهة الرابعة فحاصل لفظ [ ص: 90 ] الجود فيها يرجع إلى صفة فعلية، وهو كون الرب تعالى موجدا وفاعلا، لا لغرض يعود إليه من جلب نفع أو دفع ضر ، وعلى هذا فلا نسلم أن صفات الأفعال من كمالاته تعالى ، وليس ذلك من الضروريات، فلا بد له من دليل، كيف وأنه لو كان ذلك من الكمالات لقد كان كمال واجب الوجود متوقفا على وجود معلوله عنه ، ومحال أن يستفيد الأشرف كماله من معلوله ، كما قرروه في كونه موجودا بالإرادة، وإن سلمنا أنه كمال لكن إنما يكون عدمه في الأزل نقصا، أن لو كان وجود العالم في الأزل ممكنا، وهو غير مسلم ، وهو على نحو قولهم في نفي النقص عنه بعدم إيجاده للكائنات الفاسدات كالصور الجوهرية العنصرية ، والأنفس الإنسانية ، لتعذر وجودها أزلا من غير توسط، ولا يلزم من كون العالم غير ممكن الوجود أزلا أن لا يكون ممكن الحدوث لما حققناه" .

فهذا الجواب الذي أجاب به في هذا الموضع ، إذا أجابته به الكرامية كان جوابهم له أحسن من جوابه لأولئك ، وأدنى أحواله [ ص: 91 ] أن يكون مثله ، فإنه قال : "صفة الإحداث والفعل مطلقا ليست بصفة كمال، مع كونه اتصف بها بعد أن لم يكن" .

فيقال له: لا فرق بينهما إلا من جهة أن أحدهما بنفسه ، [والآخر] مباين عنه ، ومن المعلوم أن ما يتصرف بنفسه أكمل ممن لا يتصرف بنفسه .

التالي السابق


الخدمات العلمية