الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          وحدثني مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الزبير عن سفيان بن أبي زهير أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول تفتح اليمن فيأتي قوم يبسون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون وتفتح الشام فيأتي قوم يبسون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون وتفتح العراق فيأتي قوم يبسون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          1642 1594 - ( مالك عن هشام بن عروة ) تابعي صغير لقي بعض الصحابة ( عن أبيه ) أحد الفقهاء ( عن ) أخيه ( عبد الله بن الزبير ) الصحابي ابن الصحابي ( عن سفيان بن أبي زهير ) بضم الزاي وفتح الهاء مصغر الأزدي من أزد شنوءة بفتح المعجمة وضم النون وبعد الواو همزة ، صحابي نزل المدينة ، قال ابن المديني : وخليفة اسم أبيه القرد بفتح القاف وكسر الراء فدال مهملة ولذا يقال له ابن القرد ، وقيل اسم أبيه نمير بن عبد الله بن مالك ، ويقال فيه النميري ; لأنه من ولد النمر بن عثمان بن زهران ( قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : تفتح ) بضم الفوقية وسكون الفاء وفتح الفوقية مبني للمفعول ، ونائبه ( اليمن ) سمي بذلك لأنه عن يمين القبلة أو عن يمين الشمس أو بيمن بن قحطان ( فيأتي قوم ) من أهل المدينة ( يبسون ) [ ص: 353 ] بفتح التحتية وكسر الموحدة من الثلاثي رواه يحيى ولا يصح عنه غيره ، وكذا رواه ابن بكير وقال : معناه يسيرون من قوله : وبست الجبال بسا [ سورة الواقعة : الآية 5 ] أي سارت .

                                                                                                          وذكر حبيب هذا التفسير عن مالك ، وكذا رواه ابن نافع وغيره عنه ، فإنكار عبد الملك بن حبيب رواية يحيى ليس بشيء ; لأنه لم ينفرد بها بل تابعه ابن بكير وابن نافع وابن حبيب وغيرهم عن مالك .

                                                                                                          ورواه ابن القاسم بفتح الموحدة ثلاثيا أيضا من باب نصر أي يسرعون السير ، وقيل : يزجرون دوابهم ، وقيل : يسألون عن البلدان وأخبارها ليتحملوا إليها وهذا لا يكاد يعرف لغة .

                                                                                                          ورواه ابن وهب يبسون بضم التحتية وكسر الموحدة وضم المهملة رباعي من أبس وقال : معناه يزينون لهم الخروج من المدينة ، أي : ويزينون البلد الذي جاءوا منه ويحببونه إليهم ، وصوبه ابن حبيب ، قاله أبو عمر ملخصا .

                                                                                                          ( فيتحملون ) من المدينة ( بأهليهم ومن أطاعهم ) من الناس ( والمدينة خير لهم ) لأنها لا يدخلها الدجال ولا الطاعون ، وقيل : لأن الفتن فيها دونها في غيرها ، وقيل : لفضل مسجدها والصلاة فيه ومجاورة القبر الشريف .

                                                                                                          ( لو كانوا يعلمون ) بما فيها من الفضائل كالصلاة في مسجدها وثواب الإقامة فيها وغير ذلك من الفوائد الدينية الأخروية التي تستحقر دونها ما يجدونه من الحظوظ الفانية العاجلة بسبب الإقامة في غيرها .

                                                                                                          وفي حديث أبي هريرة عند مسلم : " يأتي على الناس زمان يدعو الرجل ابن عمه أو قريبه هلم إلى الرخاء ، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون " وظاهره أن الذين يتحملون غير الذين يبسون ، فكأن الذي حضر الفتح أعجبه حسن اليمن ورخاؤه فدعا قريبه إلى المجيء إليه ، فيحتمل المدعو بأهله وأتباعه لكن صوب النووي أن حديث الباب إخبار عن من خرج من المدينة متحملا بأهله وأتباعه بأسا في سيره إلى الرخاء والأمصار المنفتحة .

                                                                                                          وفي رواية ابن خزيمة من طريق أبي معاوية عن هشام في هذا الحديث ما يؤيده ولفظه : " تفتح الشام فيخرج الناس إليها يبسون والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون " ويوضح ذلك حديث جابر عند البزار برجال الصحيح مرفوعا : " ليأتين على أهل المدينة زمان ينطلق الناس منها إلى الأرياف يلتمسون الرخاء فيجدون ثم يتحملون بأهله إلى الرخاء ، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون " والأرياف جمع ريف بكسر الراء وهو ما قارب المياه في أرض العرب ، وقيل : هو الأرض التي فيها الزرع والخصب ، وقيل غير ذلك .

                                                                                                          ( وتفتح الشام ) سمي بذلك لأنه عن شمال الكعبة .

                                                                                                          وفي رواية ابن جريج عن هشام : ثم تفتح الشام ( فيأتي قوم يبسون ) بفتح أوله وكسر الموحدة وضمها وبضم أوله وكسر الموحدة [ ص: 354 ] ، أي : يزينون ويدعون الناس إلى بلاد الخصب ( فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم ) من الناس راحلين إلى الشام ( والمدينة خير لهم ) منها لأنها حرم الرسول وجواره ومهبط الوحي ومنزل البركات ( لو كانوا يعلمون ) فضلها ما فعلوا ذلك ، فالجواب محذوف كالسابق واللاحق دل عليه ما قبله ، وإن كانت لو بمعنى ليت فلا جواب لها وعلى التقديرين ففيه تجهيل لمن فارقها لتفويته على نفسه خيرا عظيما .

                                                                                                          ( وتفتح العراق ) وفي رواية ابن جريج : ثم تفتح العراق ( فيأتي قوم يبسون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم ) من الناس راحلين إلى العراق ( والمدينة خير لهم ) منه ( لو كانوا يعلمون ) ذلك والواو في الثلاثة للحال ، وهذا من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم حيث أخبر بفتح هذه الأقاليم ، وأن الناس يتحملون بأهليهم ويفارقون المدينة فكان ما قاله على ترتيب ما قال ، لكن في رواية لمسلم وغيره : تفتح الشام ثم اليمن ثم العراق " والظاهر أن اليمن قبل الشام للاتفاق على أنه لم يفتح شيء من الشام في الزمن النبوي ، فرواية تقديم الشام على اليمن معناه أن استيفاء فتح اليمن إنما كان بعد الشام ، وقول الطهري : أخبر صلى الله عليه وسلم في أول الهجرة إلى المدينة بأن اليمن تفتح فيأتي منها قوم حتى يكثر أهل المدينة والمدينة خير لهم من غيرها " تعقبه الطيبي بأن تنكير قوم ووصفه بـ " يبسون " ثم توكيده بقوله " لو كانوا يعلمون " لا يساعد ما قاله ، لأن تنكير قوم لتحقيرهم وتوهين أمرهم ، ثم وصف " يبسون " وهو سوق الدواب يشعر بركة عقولهم وأنهم ممن ركن إلى الحظوظ البهيمية وحطام الدنيا الفانية وأعرضوا عن الإقامة في جوار الرسول ، ولذا كرر قوما ووصفه في كل قرينة ب " يبسون " استحضارا لتلك الهيئة القبيحة ، قال : والذي يقتضيه المقام أن ينزل يعلمون منزلة اللازم لينفي عنهم العلم والمعرفة بالكلية ، ولو ذهب مع ذلك إلى معنى التمني لكان أبلغ لأن التمني طلب ما لا يمكن حصوله ، أي : ليتهم كانوا من أهل العلم تغليظا وتشديدا انتهى .

                                                                                                          وفي إسناده تابعيان وصحابيان .

                                                                                                          وأخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف عن مالك به وتابعه ابن جريج ووكيع كلاهما عن هشام عند مسلم به ، غايته أن وكيعا قدم الشام .




                                                                                                          الخدمات العلمية