الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر أخذ الزنج البصرة وتخريبها

لما سار سعيد عن البصرة ضم السلطان عمله إلى منصور بن جعفر الخياط ، وكان منه ما ذكرنا ، ولم يعد منصور لقتاله ، واقتصر على تخفير القيروانات والسفن ، فامتنع أهل البصرة ، فعظم ذلك على العلوي ، فتقدم إلى علي بن أبان بالمقام بالخيزرانية ليشغل منصورا عن تسيير القيروانات ، فكان بنواحي جي ، والخيزرانية ، وشغل منصورا ، فعاد أهل البصرة إلى الضيق ، وألح أصحاب الخبيث عليهم بالحرب صباحا ومساء .

فلما كان في شوال أزمع الخبيث على جمع أصحابه لدخول البصرة ، والجد في إخرابها لضعف أهله وتفرقهم ، وخراب ما حولهم من القرى ، ثم أمر محمد بن يزيد الدارمي ، وهو أحد من صحبه بالبحرين ، أن يخرج إلى الأعراب ليجمعهم ، فأتاه منهم خلق كثير ، فأناخوا بالقندل ، ووجه إليهم العلوي سليمان بن موسى الشعراني ، وأمرهم بتطرق البصرة والإيقاع بها ليتمرن الأعراب على ذلك ، ثم أنهض علي بن أبان ، [ ص: 297 ] وضم إليه طائفة من الأعراب ، وأمر بإتيان البصرة من ناحية بني سعيد ، وأمر يحيى بن محمد البحراني بإتيانها مما يلي نهر عدي ، وضم إليه سائر الأعراب ، فكان أول من واقع أهل البصرة علي بن أبان ، وبفراج يومئذ بالبصرة ، في جماعة من الجند ، فأقام يقاتلهم يومين ومال الناس نحوه .

وأقبل يحيى بن محمد فيمن معه نحو الجسر ، فدخل علي بن أبان وقت صلاة الجمعة لثلاث عشرة بقيت من شوال ، فأقام يقتل ويحرق يوم الجمعة ، وليلة السبت ، ويوم السبت ، وغادى يحيى البصرة يوم الأحد ، فتلقاه بفراج وبرية في جمع فردوه ، فرجع يومه ذلك .

ثم غاداهم اليوم الآخر ، فدخل وقد تفرق الجند ، وهرب برية ، وانحاز بفراج ومن معه ، ولقيه إبراهيم بن يحيى المهلبي ، فاستأمنه لأهل البصرة ، فأمنهم ، فنادى منادي إبراهيم : من أراد الأمان فليحضر دار إبراهيم ، فحضر أهل البصرة قاطبة ، حتى ( ملئوا الرحاب ) فلما رأى اجتماعهم انتهز الفرصة لئلا يتفرقوا ، فغدر بهم وأمر أصحابه بقتلهم ، فكان السيف يعمل فيهم ، وأصواتهم مرتفعة بالشهادة ، فقتل ذلك الجمع كله ، ولم يسلم إلا النادر منهم ، ثم انصرف يومه ذلك إلى الحربية .

ودخل علي بن أبان الجامع فأحرقه ، وأحرقت البصرة في عدة مواضع ، منها المربد ، وزهران ، وغيرهما ، واتسع الحريق من الجبل إلى الجبل ، وعظم الخطب ، وعمها القتل والنهب والإحراق ، وقتلوا كل من رأوه بها ، فمن كان من أهل اليسار أخذوا ماله وقتلوه ; ومن كان فقيرا قتلوه لوقته ، بقوا كذلك عدة أيام .

ثم أمر يحيى أن ينادى بالأمان ليظهروا ، فلم يظهر أحد ; ثم انتهى الخبر إلى الخبيث ، فصرف علي بن أبان عنها ، وأقر يحيى عليها لموافقته هواه في كثرة القتل ، [ ص: 298 ] وصرف عليا لإبقائه على أهلها ، فهرب الناس على وجوههم وصرف الخبيث جيشه عن البصرة .

فلما أخرب البصرة انتسب إلى يحيى بن زيد ، وذلك لمصير جماعة من العلويين إليه ، وكان فيهم علي بن محمد بن أحمد بن عيسى بن زيد وجماعة من نسائهم ، فترك الانتساب إلى عيسى بن زيد ، وانتسب إلى يحيى بن زيد ، قال القاسم بن حسن النوفلي : كذب ابن يحيى لم يعقب غير بنت ماتت وهي ترضع .

التالي السابق


الخدمات العلمية