الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر خروج المشركين إلى بلاد المسلمين بالأندلس

في هذه السنة خرج المجوس من أقاصي بلاد الأندلس في البحر إلى بلاد المسلمين ، وكان ظهورهم في ذي الحجة سنة تسع وعشرين ، عند أشبونة ، فأقاموا ثلاثة عشر يوما ، بينهم وبين المسلمين بها وقائع ، ثم ساروا إلى قادس ، ثم إلى شدونة ، فكان بينهم وبين المسلمين بها وقائع .

ثم ساروا إلى إشبيلية ثامن المحرم ، فنزلوا على اثني عشر فرسخا منها ، فخرج إليهم كثير من المسلمين ، فالتقوا ، فانهزم المسلمون ثاني عشر المحرم ، وقتل كثير منهم .

ثم نزلوا على ميلين من إشبيلية ، فخرج أهلها إليهم ، وقاتلوهم ، فانهزم المسلمون رابع عشر المحرم ، وكثر القتل والأسر فيهم ، ولم ترفع المجوس السيف عن أحد ، ولا عن دابة ، ودخلوا حاجز إشبيلية وأقاموا به يوما وليلة ، وعادوا إلى مراكبهم .

وأقام عسكر عبد الرحمن ، صاحب البلاد ، مع عدة من القواد ، فتبادر إليهم المجوس ، فثبت المسلمون ، وقاتلوهم ، فقتل من المشركين سبعون رجلا وانهزموا ، حتى [ ص: 94 ] دخلوا مراكبهم ، وأحجم المسلمون عنهم ، فسمع عبد الرحمن ، فسير جيشا آخر غيرهم ، فقاتلوا المجوس قتالا شديدا ، فرجع المجوس عنهم ، فتبعهم العسكر ثاني ربيع الأول ، وقاتلوهم ، وأتاهم المدد من كل ناحية ، ونهضوا لقتال المجوس من كل جانب ، فخرج إليهم المجوس وقاتلوهم ، فكاد المسلمون ينهزمون ، ثم ثبتوا ، فترجل كثير منهم ، فانهزم المجوس ، وقتل نحو خمس مائة رجل ، وأخذوا منهم أربعة مراكب ، فأخذوا ما فيها ، وأحرقوها ، وبقوا أياما لا يصلون إلى المجوس ، لأنهم في مراكبهم .

ثم خرج المجوس إلى لبلة ، فأصابوا سبيا ، ثم نزل المجوس إلى جزيرة قريب قوريس ، فنزلوها ، وقسموا ما كان معهم من الغنيمة ، فحمي المسلمون ، ودخلوا إليهم في النهر ، فقتلوا من المجوس رجلين ، ثم رحل المجوس فطرقوا شدونة فغنموا طعمة وسبيا ، وأقاموا يومين .

ثم وصلت مراكب لعبد الرحمن ، صاحب الأندلس ، إلى إشبيلية ، فلما أحس بها المجوس لحقوا بلبلة ، فأغاروا ، وسبوا ، ثم لحقوا بأكشونية ، ثم مضوا إلى باجة ، ثم انتقلوا إلى مدينة أشبونة ، ثم ساروا ، فانقطع خبرهم عن البلاد ، فسكن الناس .

وقد ذكر بعض مؤرخي العرب سنة ست وأربعين خروج المجوس إلى إشبيلية أيضا ، وهي شبيهة بهذه ، ثم فلا أعلمه أهي هذه ، وقد اختلفوا في وقتها ، أم هي غيرها ، وما أقرب أن تكون هي إياها ، وقد ذكرتها هناك لأن في كل واحدة منهما شيئا في الأخرى .

التالي السابق


الخدمات العلمية