الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ولما رد عمر بن عبد العزيز الهدية ، قيل له : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية فقال كان ذلك : له هدية وهو لنا رشوة أي : كان يتقرب إليه لنبوته ، لا لولايته ، ونحن إنما نعطى للولاية .

التالي السابق


وفي الباب عن ابن عباس وحذيفة وعبد الله بن سعد وأبي سعيد الخدري وأبي حميد الساعدي ، أما حديث ابن عباس فأخرجه الطبراني في الأوسط بلفظ: هدايا الأمراء غلول . وإسناده ضعيف، قاله ابن حجر ، وأما حديث حذيفة فأخرجه أبو يعلى في مسنده بلفظ: هدايا العمال حرام كلها ، وأما حديث عبد الله بن سعد ، فأخرجه ابن عساكر بلفظ: هدايا السلطان سحت وغلول ، وأما حديث أبي سعيد ، فأخرجه الطبراني في الأوسط وأبو سعيد النقاش في الكتاب المذكور من طريق أبان بن أبي عياش عن أبي نضرة عنه، وسنده أيضا ضعيف لا تقوم به حجة، قاله السبكي .

وأما حديث أبي حميد ، فقد أخرجه أحمد والبزار وابن عدي والطبراني في الأوسط، والبيهقي وأبو سعيد النقاش ، قال البزار : حدثنا محمد بن عبد الرحيم ، حدثنا إبراهيم بن مهدي ، حدثنا إسماعيل بن عياش ، عن يحيى بن سعيد ، عن عروة بن الزبير ، عن أبي حميد الساعدي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هدايا العمال غلول ، قال: ورواه إسماعيل بن عياش مختصرا ووهم فيه، وإنما [ ص: 163 ] هو عن الزهري عن عروة عن أبي حميد أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلا على الصدقة ، يعني حديث ابن اللتبية المشهور، وقال أحمد : حدثنا إسحاق بن عيسى ، حدثنا إسماعيل بن عياش ، عن يحيى بن سعيد عن عروة بن الزبير عن أبي حميد الساعدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "هدايا العمال غلول" . وقال النقاش في الكتاب المذكور: أخبرنا محمد بن نصر المؤدب ، حدثنا عبد الله بن محمد بن زكريا ، حدثنا إسماعيل بن عياش ، عن يحيى بن سعيد عن عروة عن حميد الساعدي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هدايا الأمراء غلول ، وهذه الروايات كلها عن إسماعيل بن عياش ، وهو فيما يروى عن غير الشاميين ضعيف، وقد نص البزار على خطأ إسماعيل فيها، (ولما رد عمر بن عبد العزيز ) رحمه الله (الهدية، قيل له: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ) قال العراقي : رواه البخاري من حديث عائشة اهـ .

قلت: ولكن بزيادة: ويثيب عليها ، هكذا رواه البخاري في الهبة، وكذا رواه أحمد وأبو داود في البيوع، والترمذي في البر، وسيأتي للمصنف بزيادة: ولو جرعة لبن أو فخذ أرنب . وقول العراقي : وفي الصحيحين ما هو في معناه (فقال: كانت له هدية ولنا رشوة) ، ذكره البخاري في كتاب الهبة في باب: من لم يقبل الهدية لعلة، فقال: وقال عمر بن عبد العزيز : كانت الهدية في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم هدية، واليوم رشوة. ثم ذكر حديث الصعب بن جثامة في هدية الصيد، ثم ذكر حديث ابن اللتبية الآتي ذكرهما، قال المصنف: (أي: كان يتقرب إليه عليه السلام لنبوته، لا لولايته، ونحن إنما نعطى للولاية) .

وروى عبد الرحمن بن علقمة قال: قدم وفد ثقيف على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعهم هدية قد جاءوا بها، فقال لهم: ما هذا هدية أم صدقة؟ فإن الصدقة يبتغى بها وجه الله تعالى، والهدية يبتغى بها وجه الرسول وقضاء الحاجة، قالوا: هدية، فقبضها منهم .

وأخرج أبو نعيم في الحلية أن عمر بن عبد العزيز اشتهى تفاحا، ولم يكن معه ما يشتري به، فركب فتلقاه غلمان الدير بأطباق تفاح، فتناول واحدة فهشمها ثم ردها، فقيل له: ألم يكن النبي صلى الله عليه وسلم وخلائفه كانوا يقبلون الهدية ، فقال: إنها لأولئك هدية، وهي للعمال بعدهم رشوة .




الخدمات العلمية