الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ولا تهازل أمتك ولا عبدك فيسقط وقارك وإذا خاصمت فتوقر وتحفظ من جهلك وتجنب عجلتك وتفكر في حجتك ولا تكثر الإشارة بيديك ولا تكثر الالتفات إلى من وراءك ولا تجث على ركبتيك وإذا هدأ غيظك فتكلم وإن قربك سلطان فكن منه على مثل حد السنان فإن استرسل عليك فلا تأمن انقلابه عليك وارفق به رفقك بالصبي وكلمه بما يشتهيه ما لم يكن معصية ولا يحملنك لطفه بك أن تدخل بينه وبين أهله وولده وحشمه وإن كنت لذلك مستحقا عنده فإن سقطة الداخل بين الملك وبين أهله سقطة لا تنعش وزلة لا تقال وإياك وصديق العافية فإنه أعدى الأعداء ولا تجعل مالك أكرم من عرضك وإذا دخلت مجلسا فالأدب فيه البداية بالتسليم وترك التخطي لمن سبق والجلوس حيث اتسع وحيث يكون أقرب إلى التواضع وأن تحيي بالسلام من قرب منك عند الجلوس .

ولا تجلس على الطريق فإن جلست فأدبه غض البصر ونصرة المظلوم وإغاثة الملهوف وعون الضعيف وإرشاد الضال ورد السلام وإعطاء السائل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .

التالي السابق


(ولا تهازل أمتك ولا عبدك) أي: لا تخاطبهم بكلام هزل (فيسقط وقارك) وهيبتك من أعينهم (وإذا خاصمت فتوق) في كلامك (وتحفظ من جهلك) وعثرتك (وتجنب عجلتك) فإنها من الشيطان (وتفكر في حجتك) التي تحتج بها على خصمك (ولا تكثر الإشارة بيدك) وقت المحادثة (ولا تكثر الالتفات إلى من وراءك) فإنه من خفة العقل (ولا تجث على ركبتك) بل اطمئن جالسا (وإذا هدأ) أي: سكن (غضبك فتكلم) فإن الغضب يفسد العقل.

(وإن قربك سلطان) أو أمير ولم تجد بدا من قربه فإنما هو نار (وكن منه على مثل حد السنان) أي: لا تأمنه ولا تطمئن إليه (وإن استرسل إليك فلا تأمن انقلابه عليك) فإن استرسال السلاطين لا يعتمد عليهم (وارفق به رفقك بالصبي) موافقا لمزاجه (وكلمه بما يشتهيه) هو لا بما تشتهيه أنت (ولا يجذبك لطفه) ولينه ورقته معك (إلا أن تدخل بينه وبين أهله وولده وحشمه وإن كنت لذلك مستحقا عنده) إلا إذا نبهه بضرب أمثال من خارج أو حكاية تشير إلى شيء مما يتعلق بمقصوده فلا بأس بذلك (فإن سقط الداخل بين الملك وأهله سقطة لا تنعش) أي: لا تقام (وزلة لا تقال) عثرتها .

(وإياك وصديق العافية) وصديق الرخاء (فإنه أعدى الأعداء) أي: فلا تثق بمثله في صداقته (ولا تجعل مالك أكرم من عرضك) فإنما جعل المال خادما للعرض؛ لأن العرض مسوس والمال سائس (وإذا دخلت مجلسا) فيه ناس (فالأدب البداءة بالتسليم) عليهم. رواه الطبراني من حديث معاذ بن أنس: "حق على من أتى مجلسا أن يسلم عليهم" (وترك التخطي لمن سبق) أي: لا يتخطى في الجلوس على من سبقه في الدخول (والجلوس حيث اتسع) ووجد فرجة (وحيث يكون أقرب إلى التواضع) ومنه قول الشاعر:


وجالس مجلس الرجل الأقل



ولا يجلس بين اثنين إلا بإذنهما؛ فإنه قد ورد النهي عنه في الخبر، فإذا وسع له أخوه في مجلس فإنما هو كرامة فلا يأبى، كما رواه البيهقي من حديث مصعب ابن شيبة (وأن تخص بالسلام من قرب منك) إذا كان المجلس واسعا وفيه ناس كثير وإلا فليعمم بالسلام ولا يخص أحدا دون أحد، وقوله (عند الجلوس) أي: عند إرادته، وهذا يدل على أن هذا السلام غير سلام الدخول (ولا تجلس على الطريق) التي يمر بها الناس (وإن جلست فآدابه غض البصر) عن المحرمات (ونصرة المظلوم) بأن يخلصه من يد الظالم عليه (وإغاثة الملهوف وعون الضعيف وإرشاد الضال) عن الطريق (ورد السلام) أي: جوابه، وهو قوله: وعليكم السلام، (وإعطاء السائل) ولو شيئا قليلا (والأمر [ ص: 248 ] بالمعروف والنهي عن المنكر) فقد روى أحمد والشيخان وأبو داود من حديث أبي سعيد: "إياكم والجلوس على الطرقات، فإن أبيتم إلا المجالس فأعطوا الطريق حقها، قالوا: يا رسول الله، وما حقها؟ قال: غض البصر وكف الأذى ورد السلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، وروى ابن السني في عمل اليوم والليلة من حديث أبي هريرة: "لا خير في الجلوس على الطرقات إلا من هدى السبيل ورد التحية وغض البصر وأعان على الحمل".




الخدمات العلمية