الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ومنها أن يصون عرض أخيه المسلم ونفسه وماله عن ظلم غيره مهما قدر ويرد عنه ويناضل دونه وينصره فإن ذلك يجب عليه بمقتضى أخوة الإسلام .

روى أبو الدرداء أن رجلا نال من رجل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم .

فرد عنه رجل فقال النبي صلى الله عليه وسلم : من رد عن عرض أخيه كان له حجابا من النار .

وقال صلى الله عليه وسلم : ما من امرئ مسلم يرد عن عرض أخيه إلا كان حقا على الله أن يرد عنه نار جهنم يوم القيامة .

وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من ذكر عنده أخوه المسلم وهو يستطيع نصره فلم ينصره أذله الله بها في الدنيا والآخرة ، ومن ذكر عنده أخوه المسلم فنصره نصره الله تعالى في الدنيا والآخرة .

وقال صلى الله عليه وسلم : من حمى عن عرض أخيه المسلم في الدنيا بعث الله تعالى له ملكا يحميه يوم القيامة من النار .

وقال جابر وأبو طلحة سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ما من امرئ مسلم ينصر مسلما في موضع ينتهك فيه عرضه ويستحل حرمته إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصره ، وما من امرئ خذل مسلما في موطن ينتهك فيه حرمته إلا خذله الله في موضع يحب فيه نصرته .

التالي السابق


(ومنها أن يصون عرض أخيه المسلم ونفسه وماله عن ظلم غيره مهما قدر) على ذلك (ويرد عنه) بيده ولسانه (ويناضل دونه) أي: يدافع (وينصره) فإن ذلك يجب عليه بمقتضى الإسلام (فقد روى أبو الدرداء) - رضي الله عنه- (أن رجلا نال من رجل عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم-) أي: تكلم في حقه بسوء (فرد عنه رجل) آخر كان بالمجلس (فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: من رد عن عرض أخيه) في الدين أي: رد على من اغتابه وعابه (كان حجابا من النار) يوم القيامة؛ وذلك لأن عرض المؤمن كدمه فمن هتك عرضه كان كمن سفك دمه ومن عمل على صون عرضه فكأنه صان دمه فيجازى على ذلك بصونه عن النار يوم القيامة إن كان ممن يستحق دخولها وإلا كان زيادة رفعة في درجاته في الجنة، قال العراقي: رواه الترمذي وحسنه. اهـ .

قلت: وكذلك رواه عبد بن حميد وحميد بن زنجويه والروياني والخرائطي في مكارم الأخلاق والطبراني في الكبير والبيهقي وابن السني في عمل يوم وليلة .

(وقال صلى الله عليه وسلم: ما من امرئ مسلم يرد عن عرض أخيه) في الدين بأن يرد عنه من أذاه وعابه (إلا كان حقا على الله أن يرد عنه نار جهنم يوم القيامة) جزاء بما فعل، قال العراقي: رواه أحمد من حديث أسماء بنت يزيد بنحوه وهو عند الخرائطي في مكارم [ ص: 284 ] الأخلاق والطبراني بهذا اللفظ عن أبي الدرداء وفيهما شهر بن حوشب. اهـ .

قلت: حديث أسماء رواه أيضا ابن أبي الدنيا ولفظه "من رد عن عرض أخيه بالغيبة كان حقا على الله أن يعتقه من النار"، وروي حديث أبي الدرداء بألفاظ أخر منها "من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة" هكذا رواه أحمد والترمذي وقال: حسن، وابن أبي الدنيا في ذم الغيبة والطبراني في الكبير، وإنما اقتصر الترمذي على قوله: حسن، ولم يقل صحيح؛ لأن فيه مرزوقا التميمي والد يحيى مجهول الحال .

ومنها "من رد عن عرض أخيه كان حقا على الله أن يرد عن عرضه يوم القيامة" رواه الطبراني في الكبير والخرائطي، ومنها "من رد عن عرض أخيه كان حقا على الله أن يرد عن عرضه يوم القيامة" رواه ابن أبي الدنيا في ذم الغيبة (وعن أنس) -رضي الله عنه- (أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: من ذكر عنده أخوه المسلم وهو يستطيع نصره) على من ذكره بسوء (فلم ينصره ولو بكلمة أذله الله عز وجل) كذا في نسخة العراقي، وفي لفظ: "أدركه الله بها" (في الدنيا والآخرة، ومن ذكر عنده أخوه المسلم فنصره نصره الله تعالى بها في الدنيا والآخرة) .

قال العراقي: رواه ابن أبي الدنيا في الصمت مقتصرا على الجملة الأولى وإسناده ضعيف. اهـ .

قلت: ورواه الخرائطي في مكارم الأخلاق بتمامه ولفظه: "أدركه الله" بدل "أذله" ورواه أيضا من حديث عمران بن حصين بلفظ: "من ذكر عنده أخوه المسلم بظهر الغيب وهو يقدر على أن ينصره فنصره نصره الله في الدنيا والآخرة".

(وقال -صلى الله عليه وسلم-: من حمى عرض أخيه المسلم في الدنيا) بالرد عنه (بعث الله له ملكا يحميه يوم القيامة من النار) جزاء بما فعل، قال العراقي: رواه أبو داود من حديث معاذ بن أنس بنحوه بسند ضعيف. اهـ .

قلت: رواه من طريق سهل بن معاذ بن أنس الجهني عن أبيه، ولفظه: "من حمى مؤمنا من منافق يغتابه بعث الله ملكا يحمي لحمه يوم القيامة من نار جهنم، ومن رمى مسلما بشيء يريد شينه به حبسه الله على جسر جهنم حتى يخرج مما قال" هكذا رواه ابن المبارك وابن أبي الدنيا في ذم الغيبة والطبراني في الكبير، والأقرب إلى سياق المصنف ما رواه ابن أبي الدنيا في ذم الغيبة والخرائطي في مكارم الأخلاق من حديث أنس بلفظ: "من حمى عن عرض أخيه في الدنيا بعث الله تعالى ملكا يوم القيامة يحميه من النار".

(وقال جابر) بن عبد الله (وأبو طلحة) زيد بن سهل الأنصاريان -رضي الله عنهما- (سمعنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ما من امرئ مسلم ينصر مسلما في موضع يهتك فيه من عرضه ويستحل من حرمته إلا نصره الله -عز وجل- في موضع) وفي نسخة في موطن (يحب فيه نصره، وما من امرئ خذل مسلما في موطن ينتهك فيه حرمته إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته) أي: موضع يكون فيه أحوج لنصرته وهو يوم القيامة فخذلان المؤمن شديد التحريم، دنيويا كان مثل أن يقدر على دفع عدو يريد البطش به فلا يدفعه، أو أخرويا كأن يقدر على نصحه من غيه بنحو وعظ فيترك، قال العراقي: رواه أبو داود مع تقديم وتأخير واختلف في إسناده. اهـ .

قلت: ولفظه عند أبي داود "ما من امرئ يخذل امرأ مسلما في موطن ينتقص فيه من عرضه وتنتهك فيه من حرمته إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته، وما من أحد ينصر مسلما في موطن ينتقص فيه من عرضه أو ينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته" هكذا رواه أبو داود عنهما معا ورواه كذلك أحمد والبخاري في تاريخه وابن أبي الدنيا في ذم الغيبة والطبراني في الكبير والبيهقي والضياء، قال المنذري: اختلف في إسناده، وقال الهيثمي: حديث جابر سنده حسن .




الخدمات العلمية