الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وقوله : دع ما يريبك ، أمر تنزيه إذ ورد في بعض الروايات كل منه وإن غاب عنك ما لم تجد فيه أثرا غير سهمك ولذلك قال صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم في الكلب المعلم ، وإن أكل فلا تأكل ، فإني أخاف أن يكون إنما أمسك على نفسه على سبيل التنزيه لأجل الخوف .

إذ قال لأبي ثعلبة الخشني كل منه ، فقال : وإن أكل منه فقال وإن أكل .

؟ : وذلك لأن حالة أبي ثعلبة وهو فقير مكتسب لا يحتمل هذا الورع وحال عدي كان يحتمله .

التالي السابق


( وقوله: دع، أمر تنزيه) أي: للندب لا للإيجاب (إذ ورد في بعض الروايات كل منه) أي: من الصيد، (وإن غاب عنك ما لم تجد فيه أثرا غير سهمك) ، رواه ابن ماجه والطبراني من حديث أبي ثعلبة الخشني بلفظ: كل ما ردت عليك قوسك وإن توارى عنك بعد أن لا ترى فيه أثر سهم أو نصل . ورواه أيضا أبو داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو ، ورواه أحمد من حديث ابن عمر بلفظ: كل ما أمسكت عليك قوسك ذكي وغير ذكي، وإن تغيب عنك ما لم يصل أو تجد فيه غير سهمك ، (ولذلك قال صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم) بن عبد الله بن سعد بن الحشرج الطائي صحابي شهير، وكان ممن ثبت في الردة وحضر فتوح العراق وحروب علي ، مات سنة ثمان وستين، وهو ابن مائة وعشرين سنة، (في الكلب المعلم، وإن أكل فلا تأكل، فإني أخاف أن يكون إنما أمسك على نفسه ) . وهذا الحديث قد أغفله العراقي هنا وذكره في الباب الذي يليه، وهو مما اتفق عليه الستة أخرجوه من حديث همام بن الحارث عن عدي بن حاتم ، واللفظ لأبي داود قال: "سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن المعراض قال: إذا أصاب بحده فكل، وإذا أصاب بعرضه فلا تأكل، فإنه وقيذ، قلت: أرسل كلبي، قال: إذا سميت فكل، وإلا فلا تأكل، وإن أكل منه فلا تأكل، فإنما أمسك لنفسه، فقال: أرسل كلبي فأجد كلبا آخر، فقال: لا تأكل لأنك إنما سميت على كلبك" . وليس عند البخاري ومسلم : وإلا فلا تأكل ، ورواه أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم عن همام بن الحارث عن عدي بن حاتم قال: "سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، إنا نبعث الكلاب المعلمة أفنأكل مما أمسكن علينا؟ فقال: إذا ذكرت اسم الله فكل مما أمسكن عليك ما لم يشركها كلب من غيرها، قلت: وإن قتل، قال: وإن قتل، قلت: يا رسول الله أحدنا يرمي بالمعراض، قال: إذا رميت فسميت فخرق فكل، وإن أصاب بعرض فلا تأكل" .

وأخرجه الشيخان وأبو داود وابن ماجه من حديث الشعبي عن عدي بن حاتم قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم قلت: إنا نصيد بهذه الكلاب فقال: إذا أرسلت كلابك المعلمة وذكرت اسم الله عليها، فكل مما أمسكن عليك، وإن قتل إلا أن يأكل الكلب، فإن أكل فلا تأكل، فإني أخاف أن يكون إنما أمسكه على نفسه" . (والنهي على سبيل التنزيه لأجل الخوف إذ قال لأبي ثعلبة ) اختلف في اسمه واسم أبيه على أقوال، فقيل في اسمه: جرثوم أو جرثومة أو جرهم أو الأشق أو الأشر أو شومة أو ناشب أو لاش أو غرنوق أو ناشر أو جرثم، واسم أبيه ناشر أو لاشر أو جرثوم أو عمرو أو ناشم أو لاشم أو جرهم، أو ناشج، أو الأشتر أو عبد الكريم أو حمير أو جلهم (الخشني) ، بضم الخاء المعجمة وفتح الشين المعجمة أيضا، وكسر النون منسوب إلى خشين مصغرا، وهو لقب وائل بن النمر بن وبرة بن ثعلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة ، قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتجهز إلى حنين ، فأسلم وضرب له بسهمه، وبايع بيعة الرضوان، وأرسله إلى قومه فأسلموا، مات وهو ساجد سنة خمس وخمسين بالشام رضي الله عنه; ( كل منه، فقال: وإن أكل؟ قال: كل ) هكذا في النسخ، وفي نسخة العراقي قال: وإن أكل، قال العراقي : رواه أبو داود من رواية عمرو بن شعيب ، عن أبيه عن جده، ومن حديث أبي ثعلبة أيضا مختصرا، وإسنادهما جيد، اهـ .

قلت: سياق حديث ابن عمر ، وعند أبي داود والنسائي أن أعرابيا يقال له: أبو ثعلبة قال: يا رسول الله إن لي كلابا مكلبة، فأفتني في صيدها، فقال النبي صلى [ ص: 25 ] الله عليه وسلم: إن كان لك كلاب مكلبة، فكل مما أمسكن عليك ذكيا وغير ذكي، قال: وإن أكل منه، قال: وإن أكل منه، قال: يا رسول الله أفتني في قوسي، قال: كل ما ردت عليك قوسك، قال: ذكيا وغير ذكي، قال: وإن تغيب عني؟ قال: وإن تغيب عنك ما لم يصل أو تجد فيه أثرا غير سهمك . قوله: يصل يقال: صل اللحم وأصل إذا أنتن، وهذا قد تقدم قريبا، ولفظ حديث أبي ثعلبة المطول فعند الشيخين وأبي داود والنسائي قال: قلت: يا رسول الله، إني أصيد بكلبي المعلم، وبكلبي الذي ليس بمعلم، قال: ما أصدت بكلبك المعلم فاذكر اسم الله وكل، وما أصدت بكلبك الذي ليس بمعلم فأدركت ذكاته فكل ، وأما لفظه المختصر عند أبي داود وحده: كل ما ردت عليك قوسك، وكلبك المعلم، ويدك فكل ذكيا وغير ذكي. (وذلك أن حالة أبي ثعلبة ) رضي الله عنه (وهو فقير) ضعيف الحال (مكتسب) بالصيد (لا يحتمل هذا الورع) ، فأمره بأكله موافقة لحاله (وحال عدي) بن حاتم رضي الله عنه (كان يحتمله) ; لأنه كان جلدا قويا، واصطياده لم يكن على طريق الاكتساب، فأمره بالورع موافقة لحاله .




الخدمات العلمية