الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
الأصل الرابع أن يشتريه لنفسه أو للقوم ; فإن المتولي والخادم كالنائب وله أن يشتري له ولنفسه ولكن يكون ذلك بالنية أو صريح اللفظ ، وإذا كان الشراء يجري بالمعاطاة فلا يجري اللفظ والغالب : أنه لا ينوي عند المعاطاة والقصاب والخباز ومن يعامله يعول عليه ، ويقصد البيع منه لا ممن لا يحضرون فيقع عن جهته ويدخل في ملكه ، وهذا الأصل ليس فيه تحريم ولا شبهة ولكن يثبت أنهم يأكلون من ملك الخادم .

الأصل الخامس أن الخادم يقدم الطعام إليهم فلا ، يمكن أن يجعل ضيافة وهدية بغير عوض فإنه لا يرضى بذلك ، وإنما يقدم اعتمادا على عوضه من الوقف فهو معاوضة ولكن ليس ببيع ولا إقراض ; لأنه لو انتهض لمطالبتهم بالثمن استبعد ذلك ، وقرينة الحال لا تدل عليه ، فأشبه أصل ينزل عليه هذه الحالة الهبة بشرط الثواب ، أعني هدية لا لفظ فيها من شخص تقتضي قرينة حاله أنه يطمع في ثواب وذلك صحيح والثواب لازم وههنا ما طمع الخادم في أن يأخذ ثوابا فيما قدمه إلا حقهم من الوقف ليقضي به دينه من الخباز والقصاب والبقال فهذا ليس فيه شبهة إذ لا يشترط لفظ في الهدية ولا في تقديم الطعام ، وإن كان مع انتظار الثواب ولا مبالاة بقول من : لا يصحح هدية في انتظار ثواب .

التالي السابق


الأصل (الرابع أنه) ينظر (هل) ذلك الخادم (يشتري لنفسه أو للقوم; فإن المتولي والخادم كالنائب) عنهم، (وله أن يشتري لهم ولنفسه) كذلك، (ولكن يكون ذلك بالنية) بأن ينوي ذلك بقلبه، (أو صريح اللفظ، وإذا كان البيع بالمعاطاة فلا يجري اللفظ) ، أي: صيغة الإيجاب والقبول، (والغالب: أنه لا ينوي عند المعاطاة الشراء لهم) ، بل لنفسه، (والقصاب والخباز ومن يعامله يعول عليه، ويقصد البيع منه لا ممن لا يحضر) لديه، (فيقع عن جهته ويدخل في ملكه، وهذا الأصل ليس فيه تحريم ولا شبهة) التحريم، (ولكن يثبت أنهم يأكلون من ملك الخادم) .

الأصل (الخامس أن الخادم يقدم) الطعام (إليهم، ولا يمكن أن يجعله ضيافة وهدية بغير عوض) ، فالضيافة بالكسر، اسم للطعام الذي يقرب للضيف عند نزوله عنده، والهدية ما يبعث للغير على سبيل الإكرام [ ص: 94 ] (فإنه لا يرضى بذلك، وإنما يقدم) ما يقدم (اعتمادا على عوضه في الوقف فهو معاوضة) إذا تأملت فيه، (ولكن ليس ببيع ولا إقراض; لأنه لو انتهض لمطالبتهم بالثمن) عما قدمه إليهم (استبعد ذلك، وقرينة الحال لا تدل عليه، فأشبه أصل ينزل عليه هذه الحالة الهدية بشرط الثواب، أعني هدية لا لفظ فيها من شخص تقتضي قرينة حاله أنه يطمع في ثواب) ، أي: عوض، (وذلك صحيح لازم) ، وههنا ما طمع الخادم في أن لا يأخذ (ثوابا عما قدمه) إليهم (إلا حقهم من الوقف) عليهم; (ليقضي به دينه من القصاب والخباز والبقال) وسائر الأصناف، (فهذا ليس فيه شبهة) ; لأنه بمنزلة الهدية، (إذ لا يشترط لفظ في الهدية ولا في تقديم الطعام ، وإن كان مع انتظار الثواب ولا مبالاة بقول من قال: لا تصح هدية في انتظار ثواب) .

وفي فصل المقال للتقي السبكي قال القاضي ابن كج فيما حكاه الرافعي عنه: العطية للحكام إن كانت على أن يحكم بغير الحق أو يقف عن الحكم بالحق، فهي الرشوة، وإن كانت مطلقة فهي الهدية اهـ .

قال: قوله: إن كانت مطلقة إن عنى بالإطلاق أن لا يقترن بها لفظ يدل على الشرط، فالهدايا لا يشترط فيها لفظ، وإنما الاعتبار فيها بالفعل والقصد، فمتى قصد ترتب عليه الحكم، وإن لم يترتب وليست كعقود البيع والهبة ونحوها مما ينظر فيه إلى اللفظ من غير اعتبار القصد على أنا هنا يجب أن ننظر إلى القصد حتى لو باعه بمحاباة لأجل ذلك كان كالهدية، كما أنا في الوصية نجعلها من الثلث، أعني قدر المحاباة، ومحاباة القاضي كالهدية تعتبر فيها القصود المذكورة، فإذا كانت لأجل الحكم فهي رشوة، وإن عنى بالإطلاق أن لا يقترن بها قصد التوصل بها إلى الحكم، فصحيح أنها هدية، وليست برشوة حقيقة، ولكن هل يسلك بها مسلك الرشوة فيحرمها أو مسلك الهدايا المباحة، ليس في كلامه تصريح بذلك، وقد تقدم قولنا وقول الغزالي فيها اهـ. وسيأتي الكلام على هذا في آخر الباب الذي يليه إن شاء الله تعالى .




الخدمات العلمية