الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( ومن عتقت ) [ ص: 360 ] قبل وطء أو بعده ( تحت رقيق أو من فيه رق تخيرت ) هي دون سيدها ( في فسخ النكاح ) أو تحت حر فلا إجماعا في الأول وخلافا لأبي حنيفة في الثاني لأن بريرة عتقت تحت مغيث وكان قنا كما في البخاري وهو لأصحيته وزيادة علم راويه مقدم على رواية أنه حر فخيرها صلى الله عليه وسلم بين المقام والفراق فاختارت نفسها متفق عليه ولتضررها به عارا ونفقة وغيرهما نظير ما مر بخلاف الحر .

                                                                                                                              ولو عتق قبل فسخها سقط خيارها أو معه لم ينفذ لزوال الضرر نعم لو لزم من تخييرها دور كأن أعتقها مريض قبل وطء وهي ثلث ماله بالصداق لم تتخير لسقوط المهر بفسخها فينقص الثلث فلا تعتق كلها فلا تتخير ولا يحتاج هنا إلى رفع لحاكم لما تقرر من النص والإجماع ( والأظهر أنه ) أي هذا الخيار ( على الفور ) كخيار العيب فيعتبر هنا بما مر في الشفعة كما سبق آنفا نعم غير المكلفة تؤخر لكمالها لتعذره من الولي ، والعتيقة في عدة طلاق رجعي لها انتظار بينونتها لتستريح من تعب الفسخ ( فإن قالت ) بعد أن أخرت الفسخ وقد أرادته ( جهلت العتق صدقت بيمينها إن أمكن ) جهلها به عادة بأن لم يكذبها ظاهر الحال ( بأن كان العتق غائبا ) عن محلها وقت العتق لعذرها بخلاف ما إذا كذبها ظاهر الحال كأن كانت معه في بيته ولا قرينة على خوفه ضررا من إظهار عتقها كما هو ظاهر فإنها لا تصدق بل الزوج بيمينه ويبطل خيارها ( وكذا إن قالت : جهلت الخيار به ) فتصدق بيمينها ( في الأظهر ) لأنه مما يخفى على غالب الناس ولا يعرفه إلا الخواص وبه فارق عدم قبول دعوى الجهل بالرد بالعيب ولو علم صدقها كعجمية صدقت جزما أو كذبها كفقيهة لم تصدق جزما وتصدق أيضا في دعوى الجهل بالفورية إن أمكن جهلها بها كما في الرد بالعيب ( فإن فسخت قبل وطء فلا مهر ) ولا متعة وإن كان الحق للسيد لأن الفسخ من جهتها ( و ) إن فسخت ( بعده ) أي الوطء ( بعتق بعده وجب المسمى ) لاستقراره به ( أو ) فسخت بعد الوطء بعتق ( قبله ) أو معه والفرض أنها إنما مكنته لجهلها به ( فمهر مثل ) لاستناد الفسخ للعتق السابق للوطء أو المقارن له فصار كوطء في نكاح فاسد ( وقبل المسمى ) لاستقراره بالوطء وما وجب منهما للسيد [ ص: 361 ] ويجاب عما اعترضه به ابن الرفعة بأن استناد الفسخ لوقت العتق وإن أوجب وقوع الوطء وهي حرة لا ينافي ذلك لأن العقد هو الموجب الأصلي وقد وقع في ملكه .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله : في المتن ومن عتقت إلخ ) . ( فرع ) :

                                                                                                                              لو أنكر - [ ص: 360 ] السيد العتق وصدق الزوج صدق السيد وهل تفسخ قال صاحب الكافي قال شيخنا سمعت شيخي أبا علي سئل عن ذلك فقال يحتمل وجهين والأصح ثبوت الخيار لأنها حرة في زعمها والحق لا يعدوهما قال صاحب الكافي فعلى هذا لو فسخت قبل الدخول لم يسقط الصداق لأنه حق السيد ولو عتق العبد وأيسر فليس له نكاحها لأن أولادها أرقاء بر ( قوله : لتستريح من تعب الفسخ ) أي بظهور رغبتها عنه ( قوله : فتصدق بيمينها ) لم يقل إن أمكن جهلها كما في الفور ( قوله : عدم قبول دعوى الجهل بالرد بالعيب ) إذا لم يكن المدعي قريب عهد بالإسلام ولم ينشأ ببادية بعيدة شرح روض ( قوله : وتصدق أيضا ) وإن لم تكن قريبة عهد بالإسلام ( قوله في المتن وبعده بعتق بعده إلخ ) سكت عما لو قال فسخت مع الوطء ويتجه مهر المثل ( قوله : وبعده بعتق بعده إلخ ) وظاهر أنه لا يتصور فسخها مع الوطء بعتق بعده وفي تصور فسخها مع الوطء بعتق معه نظر ( قوله : وما وجب منهما للسيد ) قال في الروض إلا إذا كانت مفوضة ووطئها أي الزوج أو فرض لها بعد العتق أي فالمهر لها انتهى -



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قول المتن : ومن عتقت ) كلها أو باقيها ولو بقول زوجها فشمل ما لو زوج أمته بعبد - [ ص: 360 ] فادعت على سيدها أنه أعتقها فصدقها الزوج وأنكر السيد فيصدق أي السيد بيمينه وتبقى على رقها وثبت لها الخيار لأنها حرة في زعمهما أي الزوجين والحق لا يعدوهما وإنما رد قولها في حق السيد لا الزوج وعليه - أي تصديق الزوج دون السيد - لو فسخت قبل الدخول لم يسقط صداقها لأنه حق السيد ولو أنها فسخته ثم عتق العبد وأيسر امتنع نكاحها أي عليه لأنها رقيقة ظاهرا و أولادها تجعل أرقاء ا هـ نهاية قال ع ش قوله : لأنه حق السيد أي فيجب له نصف المسمى إن كان صحيحا أو نصف مهر المثل إن كان المسمى فاسدا ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : قبل وطء إلخ ) ولو كافرة ومكاتبة نهاية ومغني ( قوله : في الأول ) أي ما في المتن ( قوله : وخلافا إلخ ) لا يخفى ما في عطفه على إجماعا ( قوله : في الثاني ) أي ما في الشرح وكان الأولى ذكره قبيل قوله الآتي فخيرها إلخ وعطف قوله : لأن بريرة إلخ على قوله إجماعا ( قوله : وهو ) أي أنه كان قنا أي روايته ( قوله : متفق عليه ) أي قوله : فخيرها إلخ وألحق بالعبد المبعض لبقاء علقة الرق عليه نهاية ومغني .

                                                                                                                              ( قوله : نظير ما مر ) أي في شرح قلت ولو بان معيبا أو عبدا إلخ ( قوله : ولو عتق إلخ ) أي أو مات نهاية ومغني ( قوله : لم ينفذ إلخ ) ولو فسخت بناء على بقاء رقه فبان خلافه تبين بطلان الفسخ كما مر في الفسخ بالعيب نهاية ومغني ( قوله : مريض ) أي مرض موت ( قوله : من النص ) أي الحديث ( قوله : والعتيقة إلخ ) عطف على " غير المكلفة " إلخ ( قوله : لها انتظار بينونتها ) أي فلا يسقط خيارها بذلك فإن راجعها ثبت لها الخيار عقبها ا هـ ع ش ( قوله : لتستريح من تعب الفسخ ) أي بظهور رغبتها عنه ا هـ سم ( قوله : فتصدق بيمينها ) لم يقل إن أمكن جهلها كما في الأول ا هـ سم ( قوله : كفقيهة ) عبارة النهاية والمغني بأن كانت تخالط الفقهاء وتعرف ذلك منهم ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : وتصدق أيضا إلخ ) كما رجحه ابن المقري وهو المعتمد سواء كانت قديمة العهد بالإسلام أو لا نهاية ومغني ( قوله : لأن الفسخ من جهتها ) وليس للسيد منعها منه لخروجها عن ملكه مغني ونهاية .

                                                                                                                              ( قول المتن وبعده بعتق بعده ) سكت عما لو فسخت مع الوطء ويتجه مهر المثل وظاهر أنه لا يتصور فسخها مع الوطء بعتق بعده وفي تصوره مع الوطء بعتق معه نظر ا هـ سم عبارة المغني فإن عتقت مع الوطء أو فسخت معه بعتق قبله فالظاهر وجوب مهر المثل ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : وما وجب منهما ) أي مهر المثل والمسمى ا هـ ع ش ( قوله : للسيد ) قال في الروض إلا إذا كانت مفوضة ووطئها أي الزوج أو فرض لها بعد العتق أي فالمهر لها انتهى ا هـ سم عبارة المغني : " تنبيه " : مهرها لسيدها سواء - [ ص: 361 ] أكان المسمى أم مهر المثل فسخت أم اختارت المقام معه وجرى في العقد تسمية صحيحة أو فاسدة لأنه وجب بالعقد فإن كانت مفوضة بأن زوجها سيدها كذلك نظرت فإن وطئها الزوج أفرض لها بعد العتق فيهما فالمهر لها لأن مهر المفوضة يجب بالدخول أو بالفرض لا بالعقد وإن وطئها أو فرض لها قبل العتق فهو للسيد لأنه ملكه بالوطء أو الفرض قبل عتقها ، وموت أحدهما كالوطء والفرض ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : عما اعترضه ) الأولى حذف الضمير ( قوله : بأن إلخ ) متعلق ب يجاب إلخ ( قوله : وإن أوجب إلخ ) غاية وفاعله ضمير الاستناد وقوله : وهي حرة حال من وقوع الوطء ( قوله : لا ينافي إلخ ) خبر أن ( قوله : ذلك ) أي كون ما وجب منهما للسيد ( قوله : وقد وقع ) أي العقد الموجب في ملكه أي السيد .




                                                                                                                              الخدمات العلمية