الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        3542 حدثني إبراهيم بن موسى أخبرنا هشام بن يوسف عن معمر عن الزهري عن أنس وقال عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري أخبرني أنس قال لم يكن أحد أشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم من الحسن بن علي

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال عبد الرزاق إلخ ) وصله أحمد وعبد بن حميد جميعا عن عبد الرزاق ، وأخرجه الترمذي من روايته ، وقصد البخاري بهذا التعليق بيان سماع الزهري له من أنس . الحديث الثامن حديث ابن عمر .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( لم يكن أحد أشبه بالنبي - صلى الله عليه وسلم - من الحسن بن علي ) هذا يعارض رواية ابن سيرين الماضية في الحديث الثالث ، فإنه قال في حق الحسين بن علي " كان أشبههم بالنبي - صلى الله عليه وسلم - " ويمكن الجمع بأن يكون أنس قال ما وقع في رواية الزهري في حياة الحسن ؛ لأنه يومئذ كان أشد شبها بالنبي - صلى الله عليه وسلم - من أخيه الحسين ، وأما ما وقع في رواية ابن سيرين فكان بعد ذلك كما هو ظاهر من سياقه ، أو المراد بمن فضل الحسين عليه في الشبه من عدا الحسن ، ويحتمل أن يكون كل منهما كان أشد شبها به في بعض أعضائه ; فقد روى الترمذي وابن حبان من طريق هانئ بن هانئ عن علي قال : " الحسن أشبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما بين الرأس إلى الصدر ، والحسين أشبه النبي - صلى الله عليه وسلم - ما كان أسفل من ذلك " ووقع في رواية عبد الأعلى عن معمر عند الإسماعيلي في رواية الزهري هذه " وكان أشبههم وجها بالنبي - صلى الله عليه وسلم - " وهو يؤيد حديث علي هذا والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                        والذين كانوا يشبهون بالنبي - صلى الله عليه وسلم - غير الحسن والحسين جعفر بن أبي طالب وابنه عبد الله بن جعفر وقثم - بالقاف - ابن العباس بن عبد المطلب وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ومسلم بن عقيل بن أبي طالب ، ومن غير بني هاشم السائب بن يزيد المطلبي الجد الأعلى للإمام الشافعي وعبد الله بن عامر بن كريز العبشمي وكابس بن ربيعة بن عدي ، فهؤلاء عشرة نظم منهم أبو الفتح بن سيد الناس خمسة ، أنشدنا محمد بن الحسن المقري عنه :


                                                                                                                                                                                                        بخمسة أشبهوا المختار من مضر يا حسن ما خولوا من شبهه الحسن بجعفر وابن عم المصطفى قثم
                                                                                                                                                                                                        وسائب وأبي سفيان والحسن



                                                                                                                                                                                                        وزادهم شيخنا أبو الفضل بن الحسين الحافظ اثنين ، وهما الحسين وعبد الله بن عامر بن كريز ، ونظم ذلك في بيتين وأنشدناهما وهما :


                                                                                                                                                                                                        وسبعة شبهوا بالمصطفى فما لهم بذلك قدر قد زكا ونما
                                                                                                                                                                                                        سبطا النبي أبو سفيان سائبهم وجعفر وابنه ذو الجود مع قثما



                                                                                                                                                                                                        وزاد فيهم بعض أصحابنا ثامنا وهو عبد الله بن جعفر ، ونظم ذلك في بيتين أيضا ، وقد زدت فيهما مسلم بن عقيل وكابس بن ربيعة فصاروا عشرة ، ونظمت ذلك في بيتين وهما :


                                                                                                                                                                                                        شبه النبي لعشر سائب وأبي سفيان والحسنين الطاهرين هما
                                                                                                                                                                                                        وجعفر وابنه ثم ابن عامرهم ومسلم كابس يتلوه مع قثما



                                                                                                                                                                                                        [ ص: 123 ] وقد وجدت بعد ذلك أن فاطمة ابنته عليها السلام كانت تشبهه ، فيمكن أن يغير من البيت الأول قوله : " لعشر " فيجعل " لياء " وهو بالحساب أحد عشر ويغير " الطاهرين هما " فيجعل " ثم أمهما " . ثم وجدت أن إبراهيم ولده عليه السلام كان يشبهه فيغير قوله : لياء فيجعل " ليب " وبدل الطاهرين هما " الخال أمهما " ، ثم وجدت في قصة جعفر بن أبي طالب أن ولديه عبد الله وعوفا كانا يشبهانه فيجعل أول البيت " شبه النبي ليج " والبيت الثاني " وجعفر ولداه وابن عامرهم " إلخ ، ووجدت من نظم الإمام أبي الوليد بن الشحنة قاضي حلب ولم أسمعه منه :

                                                                                                                                                                                                        وخمس عشر لهم بالمصطفى شبه سبطاه وابنا عقيل سائب قثم



                                                                                                                                                                                                        وجعفر وابنه عبدان مسلم أبو سفيان كابس عثم ابن النجاد هم



                                                                                                                                                                                                        فزاد ابن عقيل الثاني وعثمان وابن النجاد ، وأخل من ذكرته بابن جعفر الثاني ، وأراد هو بقوله : " عبدان " تثنية عبد وهما عبد الله بن جعفر وعبد الله بن الحارث ، ولو كان أراد اسما مفردا لم يتم له خمسة عشر . وقد تعقب قوله : " ابنا عقيل " بالتثنية مع قوله : " ومسلم " لأن مسلما هو ابن عقيل ، ثم وجدت الجواب عنه يؤخذ مما ذكره أبو جعفر بن حبيب أن مسلم بن معتب بن أبي لهب ممن كان يشبهه ، ومسلم بن عقيل ذكره ابن حبان في ثقاته ، ومحمد بن عقيل ذكره المزي في تهذيبه ، وذكر في " المحبر " أن عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب الملقب ببه كان يشبهه ، وذكر ذلك ابن عبد البر في " الاستيعاب " أيضا .

                                                                                                                                                                                                        وأراد ابن الشحنة بقوله : " عثم " ترخيم عثمان ، واعتمد على ما جاء في حديث عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لابنته أم كلثوم لما زوجها عثمان : إنه أشبه الناس بجدك إبراهيم وأبيك محمد وهو حديث موضوع كما قاله الذهبي في ترجمة عمرو بن الأزهر أحد رواته . وهو وشيخه خالد بن عمرو كذبهما الأئمة ، وانفرد بهذا الحديث ، والمعروف في صفة عثمان خلاف ذلك ، وأراد بابن النجاد علي بن علي بن النجاد بن رفاعة ، واعتمد على ما ذكره ابن سعد عن عثمان أنه كان يشبه ، وهذا تابعي صغير متأخر عن الذين تقدم ذكرهم فلذلك لم أعول عليه ، وعلى تقدير اعتباره يكون قد فاته ممن وصف بذلك القاسم بن عبد الله بن محمد بن عقيل ، وإبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي ويحيى بن القاسم بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي ، فكل من هؤلاء مذكور في كتب الأنساب أنه كان يشبه ، حتى إن يحيى المذكور كان يقال له : " الشبيه " لأجل ذلك ، والمهدي الذي يخرج في آخر الزمان جاء أنه يشبه ويواطئ اسمه واسم أبيه اسم النبي - صلى الله عليه وسلم - واسم أبيه ، وذكر ابن حبيب أيضا محمد بن جعفر بن أبي طالب ، وهو غلط ؛ لأنه وقع في الخبر الذي تقدم في جعفر أنه قال في حق محمد بن جعفر : شبيه عمه أبي طالب ، وقد سلم ابن الشحنة منه ، وقد غيرت بيتي هكذا : .


                                                                                                                                                                                                        شبه النبي سائب وأبي سفيان والحسنين الخال أمهما


                                                                                                                                                                                                        وجعفر ولديه وابن عامر كا بس ونجلي عقيل ببه قثما



                                                                                                                                                                                                        فاقتصرت على ثلاثة عشر ممن ذكرهم ابن الشحنة ، وأبدلتهما باثنين فوفيت عدته مع السلامة مما تعقب عليه ، والله الموفق . وذكر ابن يونس في " تاريخ مصر " عبد الله بن أبي طلحة الخولاني وأنه شهد فتح مصر وأمره عمر [ ص: 124 ] بأن لا يمشي إلا مقنعا ؛ لأنه كان يشبه النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : وكان له عبادة وفضل . وفي قصة الكاهنة مع أويس أنها قالت لهم : أشبه الناس بصاحب المقام - أي إبراهيم الخليل - هذا ، تشير إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية