الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        4128 حدثنا إسماعيل قال حدثني أخي عن سليمان عن ثور بن زيد عن أبي الغيث عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الإيمان يمان والفتنة ها هنا ها هنا يطلع قرن الشيطان

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( حدثنا إسماعيل ) هو ابن أبي أويس ، وأخوه هو أبو بكر عبد الحميد ، وسليمان هو ابن بلال ، وثور بن زيد هو المدني ، وأما ثور بن يزيد الشامي فأبوه بزيادة تحتانية مفتوحة في أوله ، وأبو الغيث اسمه سالم .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 702 ] قوله : ( الإيمان يمان ) في رواية الأعرج التي بعدها الفقه يمان وفيها وفي رواية ذكوان " والحكمة يمانية " وفي أولها وأول رواية ذكوان " أتاكم أهل اليمن " وهو خطاب للصحابة الذين بالمدينة ، وفي حديث أبي مسعود " والجفاء وغلظ القلوب في الفدادين إلخ " وفي رواية ذكوان عن أبي هريرة " والفخر والخيلاء في أصحاب الإبل " وزاد فيها " والسكينة والوقار في أهل الغنم " . وزاد في رواية أبي الغيث " والفتنة هاهنا حيث يطلع قرن الشيطان " وهذا هو الحديث السادس ، وسيأتي شرحه في كتاب الفتن إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                        وتقدم شرح سائر ذلك في أول المناقب وفي بدء الخلق ، وأشرت هناك إلى أن الرواية التي فيها " أتاكم أهل اليمن " ترد قول من قال : إن المراد بقوله : " الإيمان يمان " الأنصار وغير ذلك . وقد ذكر ابن الصلاح قول أبي عبيد وغيره : إن معنى قوله : الإيمان يمان أن مبدأ الإيمان من مكة ؛ لأن مكة من تهامة وتهامة من اليمن ، وقيل : المراد مكة والمدينة ؛ لأن هذا الكلام صدر وهو - صلى الله عليه وسلم - بتبوك ، فتكون المدينة حينئذ بالنسبة إلى المحل الذي هو فيه يمانية ، والثالث واختاره أبو عبيد أن المراد بذلك الأنصار ؛ لأنهم يمانيون في الأصل فنسب الإيمان إليهم لكونهم أنصاره . وقال ابن الصلاح : ولو تأملوا ألفاظ الحديث لما احتاجوا إلى هذا التأويل ؛ لأن قوله : " أتاكم أهل اليمن " خطاب للناس ومنهم الأنصار ، فيتعين أن الذين جاءوا غيرهم ، قال : ومعنى الحديث وصف الذين جاءوا بقوة الإيمان وكماله ولا مفهوم له ، قال : ثم المراد الموجودون حينئذ منهم لا كل أهل اليمن في كل زمان انتهى . ولا مانع أن يكون المراد بقوله : الإيمان يمان ما هو أعم مما ذكره أبو عبيد وما ذكره ابن الصلاح ، وحاصله أن قوله : " يمان " يشمل من ينسب إلى اليمن بالسكنى وبالقبيلة ، لكن كون المراد به من ينسب بالسكنى أظهر . بل هو المشاهد في كل عصر من أحوال سكان جهة اليمن وجهة الشمال ، فغالب من يوجد من جهة اليمن رقاق القلوب والأبدان ، وغالب من يوجد من جهة الشمال غلاظ القلوب والأبدان ، وقد قسم في حديث أبي مسعود أهل الجهات الثلاثة : اليمن والشام والمشرق ، ولم يتعرض للمغرب في هذا الحديث ، وقد ذكره في حديث آخر ، فلعله كان فيه ولم يذكره الراوي إما لنسيان أو غيره ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                        وأورد البخاري هذه الأحاديث في الأشعريين ؛ لأنهم من أهل اليمن قطعا ، وكأنه أشار إلى حديث ابن عباس بينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة إذ قال : الله أكبر ، إذا جاء نصر الله والفتح ، وجاء أهل اليمن نقية قلوبهم ، حسنة طاعتهم ، الإيمان يمان والفقه يمان والحكمة يمانية أخرجه البزار . وعن جبير بن مطعم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال يطلع عليكم أهل اليمن كأنهم السحاب ، هم خير أهل الأرض الحديث أخرجه أحمد وأبو يعلى والبزار والطبراني ، وفي الطبراني من حديث عمرو بن عبسة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعيينة بن حصن : أي الرجال خير ؟ قال : رجال أهل نجد . قال : كذبت بل هم أهل اليمن ، الإيمان يمان الحديث . وأخرجه أيضا من حديث معاذ بن جبل ، قال الخطابي : قوله " هم أرق أفئدة وألين قلوبا " أي لأن الفؤاد غشاء القلب ، فإذا رق نفذ القول وخلص إلى ما وراءه ; وإذا غلظ بعد وصوله إلى داخل ، وإذا كان القلب لينا علق كل ما يصادفه .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية