الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        3478 حدثني محمد بن الصلت أبو جعفر الكوفي حدثنا ابن المبارك عن يونس عن الزهري قال أخبرني حمزة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بينا أنا نائم شربت يعني اللبن حتى أنظر إلى الري يجري في ظفري أو في أظفاري ثم ناولت عمر فقالوا فما أولته قال العلم

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( حدثنا محمد بن الصلت أبو جعفر ) هو الأسيدي ، وليس له في البخاري سوى هذا الحديث ، وله شيخ آخر يقال له محمد بن الصلت يكنى أبا يعلى وهو بصري ; وأبو جعفر أكبر من أبي يعلى وأقدم سماعا .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( شربت يعني اللبن ) كذا أورده مختصرا ، وسيأتي في التعبير عن عبدان عن ابن المبارك بلفظ بينا أنا نائم أتيت بقدح لبن فشربت منه أي من ذلك اللبن .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( حتى أنظر إلى الري ) في رواية عبدان " حتى أني " ويجوز فتح همزة أني وكسرها ورؤية الري على سبيل الاستعارة كأنه لما جعل الري جسما أضاف إليه ما هو من خواص الجسم ، وهو كونه مرئيا ، وأما قوله : " أنظر " فإنما أتى به بصيغة المضارعة والأصل أنه ماض استحضارا لصورة الحال ، وقوله " أنظر " يؤيد أن قوله " أرى " في الرواية التي في العلم من رؤية البصر لا من العلم ، والري بكسر الراء ويجوز فتحها .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( يجري ) أي اللبن أو الري وهو حال .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 56 ] قوله : ( في ظفري أو أظفاري ) شك من الراوي ، وفي رواية عبدان " من أظفاري " ولم يشك ، وكذا في رواية عقيل في العلم لكن قال : " في أظفاري " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ثم ناولت عمر ) في رواية عبدان " ثم ناولت فضلي " يعني عمر ، وفي رواية عقيل في العلم ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( قالوا فما أولته ) أي عبرته ( قال : العلم ) بالنصب أي أولته العلم ، وبالرفع أي المؤول به هو العلم ، ووقع في " جزء الحسين بن عرفة " من وجه آخر عن ابن عمر قال : فقالوا : هذا العلم الذي آتاكه الله ، حتى إذا امتلأت فضلت منه فضلة فأخذها عمر ، قال : أصبتم وإسناده ضعيف فإن كان محفوظا احتمل أن يكون بعضهم أول وبعضهم سأل ، ووجه التعبير بذلك من جهة اشتراك اللبن والعلم في كثرة النفع ، وكونهما سببا للصلاح ، فاللبن للغذاء البدني والعلم للغذاء المعنوي . وفي الحديث فضيلة عمر وأن الرؤيا من شأنها أن لا تحمل على ظاهرها وإن كانت رؤيا الأنبياء من الوحي ، لكن منها ما يحتاج إلى تعبير ومنها ما يحمل على ظاهره ، وسيأتي تقرير ذلك في كتاب التعبير إن شاء الله تعالى . والمراد بالعلم هنا العلم بسياسة الناس بكتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واختص عمر بذلك لطول مدته بالنسبة إلى أبي بكر ، وباتفاق الناس على طاعته بالنسبة إلى عثمان ، فإن مدة أبي بكر كانت قصيرة فلم يكثر فيها الفتوح التي هي أعظم الأسباب في الاختلاف ، ومع ذلك فساس عمر فيها - مع طول مدته - الناس بحيث لم يخالفه أحد ، ثم ازدادت اتساعا في خلافة عثمان فانتشرت الأقوال واختلفت الآراء ولم يتفق له ما اتفق لعمر من طواعية الخلق له فنشأت من ثم الفتن ، إلى أن أفضى الأمر إلى قتله ، واستخلف علي فما ازداد الأمر إلا اختلافا والفتن إلا انتشارا .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية