الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        3605 حدثنا سعيد بن عفير حدثنا الليث قال كتب إلي هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت ما غرت على امرأة للنبي صلى الله عليه وسلم ما غرت على خديجة هلكت قبل أن يتزوجني لما كنت أسمعه يذكرها وأمره الله أن يبشرها ببيت من قصب وإن كان ليذبح الشاة فيهدي في خلائلها منها ما يسعهن [ ص: 169 ]

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        [ ص: 169 ] الحديث الثاني قوله : ( حدثنا الليث قال : كتب إلي هشام بن عروة ) وقع عند الإسماعيلي من وجه آخر عن الليث " حدثني هشام بن عروة " فلعل الليث لقي هشاما بعد أن كتب به إليه فحدثه به ، أو كان من مذهبه إطلاق " حدثنا " في الكتابة ، وقد نقل الخطيب ذلك عنه في علوم الحديث .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ما غرت على امرأة للنبي - صلى الله عليه وسلم ) فيه ثبوت الغيرة وأنها غير مستنكر وقوعها من فاضلات النساء فضلا عمن دونهن ، وأن عائشة كانت تغار من نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - لكن كانت تغار من خديجة أكثر ، وقد بينت سبب ذلك وأنه لكثرة ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - إياها ، ووقع في الرواية التي تلي هذه بأبين من هذا حيث قال فيها : " من كثرة ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إياها " وأصل غيرة المرأة من تخيل محبة غيرها أكثر منها ، وكثرة الذكر تدل على كثرة المحبة . وقال القرطبي : مرادها بالذكر لها مدحها والثناء عليها .

                                                                                                                                                                                                        قلت : وقع عند النسائي من رواية النضر بن شميل عن هشام " من كثرة ذكره إياها وثنائه عليها " فعطف الثناء على الذكر من عطف الخاص على العام ، وهو يقتضي حمل الحديث على أعم مما قاله القرطبي .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( هلكت قبل أن يتزوجني ) ذكر في الحديث الذي بعده قدر المدة ، وسيأتي البحث فيه ، وأشارت بذلك إلى أنها لو كانت موجودة في زمانها لكانت غيرتها منها أشد .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وأمره الله أن يبشرها إلخ ) سيأتي شرحه بعد هذا ، وهو أيضا من جملة أسباب الغيرة ؛ لأن اختصاص خديجة بهذه البشرى مشعر بمزيد محبة من النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها . ووقع عند الإسماعيلي من رواية الفضل بن موسى عن هشام بن عروة بلفظ " ما حسدت امرأة قط ما حسدت خديجة حين بشرها النبي - صلى الله عليه وسلم - ببيت من قصب " الحديث .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وإن كان ليذبح الشاة إلخ ) إن مخففة من الثقيلة ويراد بها تأكيد الكلام ، ولهذا أتت باللام في قولها " ليذبح " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( في خلائلها ) بالخاء المعجمة جمع خليلة أي صديقة ، وهي أيضا من أسباب الغيرة لما فيه من الإشعار باستمرار حبه لها حتى كان يتعاهد صواحباتها .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( منها ) أي من الشاة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ما يسعهن ) أي ما يكفيهن كذا للأكثر ، وفي رواية المستملي والحموي " ما يتسعهن " أي يتسع لهن ، وفي رواية النسفي " يشبعهن " من الشبع بكسر المعجمة وفتح الموحدة وليس في روايته " ما " .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية