الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأيضا فالأدلة السمعية تدل بطريقتين: تارة تدل بمجرد الخبر، فإن ما أخبر به الصادق المصدوق لا يكون إلا حقا، وتارة يكون قد بين الأدلة العقلية التي تدل على ما أخبر به، أو على إمكانه، والقرآن مملوء من ذكر الأدلة العقلية التي هي آيات الله تعالى الدالة عليه وعلى وحدانيته، وعلى علمه وقدرته ومشيئته وحكمته ورحمته، والدالة على أمره ونهيه وإباحته ووعده ووعيده، وكذلك ما يخلقه من [ ص: 484 ] الآيات العيانية، فإنها تدل على نفسه وخلقه وقدرته ومشيئته، وتدل أيضا على أمره ونهيه، وحبه وبغضه، وسخطه ورضاه، كما تدل عقوباته للمكذبين للأنبياء على أمره لهم بالإيمان بالأنبياء، ومحبة ذلك، وعلى نهيه عن تكذيبهم، وبغضه لذلك، فالآيات المخلوقة العيانية تدل على قدرته، وعلى شرعه لهم، وعلى خلقه، وعلى أمره، وكذلك الآيات المنزلة المسموعة القرآنية تدل على هذا، وعلى هذا، وقد دل بهذه الآيات القولية على الاستدلال بتلك الآيات العيانية العقلية، فإنه يدل على الدلائل العقلية والسمعية كلاهما، وإذا فهم ما دل عليه من الدلائل العقلية، وعرفت دلالتها على المطلوب بمجرد العقل، وإن لم يخبر بها النص، كان هذا دليلا عقليا قطعيا، وكان مستفادا من الأدلة السمعية واللفظية، لكونها هي التي دلت عليه، وأرشدت إليه، ونبهت عليه، وإذا كان هذا موجودا مما يستفاد من كلام المخلوقين فما يستفاد من كلام الخالق أعظم وأعلى، والله تعالى أعلم. [ ص: 485 ]

وقد تبين في غير موضع، أن هؤلاء المتكلمين الجهمية والمتفلسفة الدهرية، ليس معهم أدلة عقلية تعارض القرآن وتقوم مقام القرآن، فما سلكوه في إثبات الصانع وصفاته طرق فاسدة لا تغني عن أدلة القرآن العقلية الدالة على ذلك، فضلا عن أن تعارضها، وهذا أحد ما يبين به فساد ما يذكرونه من تقديم مثل هذه الأدلة على دلالة القرآن عقليها وخبريها، ولا ريب أن طريقهم فيه من النفاق والإلحاد والجهل ما يطول وصفه، ولذلك قال الأئمة -كأحمد بن حنبل وغيره-: "علماء الكلام زنادقة". وكان الذين يشيرون إليهم خيرا من هذا وأمثاله.

التالي السابق


الخدمات العلمية