الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                وهل للقاضي أن يأخذ الرزق ؟ فإن كان فقيرا له أن يأخذ ; لأنه يعمل للمسلمين فلا بد له من الكفاية ، ولا كفاية له ، فكانت كفايته في بيت المال ، إلا أن يكون له ذلك أجرة عمله ، وينبغي للإمام أن يوسع عليه وعلى عياله كي لا يطمع في أموال الناس .

                                                                                                                                وروي { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث [ ص: 14 ] عتاب بن أسيد رضي الله عنه إلى مكة ، وولاه أمرها ، رزقه أربعمائة درهم في كل عام } .

                                                                                                                                وروي أن الصحابة الكرام رضي الله عنهم أجروا لسيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه كل يوم درهما وثلثا أو ثلثين من بيت المال ، وكذا روي أنه كان لسيدنا عمر رضي الله عنه مثل ذلك من بيت المال ، وكان لسيدنا علي رضي الله عنه كل يوم قصعة من ثريد ، ورزق سيدنا عمر رضي الله عنه شريحا ، وروي أن سيدنا عليا فرض له خمسمائة درهم في كل شهر وإن كان غنيا اختلفوا فيه قال بعضهم : لا يحل له أن يأخذ ; لأن الأخذ بحكم الحاجة ، ولا حاجة له إلى ذلك ، وقال بعضهم : يحل له الأخذ ، والأفضل له أن يأخذ .

                                                                                                                                أما الحل ; فلما بينا أنه عامل للمسلمين ، فكانت كفايته عليهم لا من طريق الأجر وأما الأفضلية ; فلأنه وإن لم يكن محتاجا إلى ذلك فربما يجيء بعده قاض محتاج ، وقد صار ذلك سنة ورسما ، فتمتنع السلاطين عن إبطال رزق القضاة إليهم - خصوصا سلاطين زماننا - فكان الامتناع من الأخذ شحا بحق الغير ، فكان الأفضل هو الأخذ ، وليس للقاضي أن يستخلف إلا إذا أذن له الإمام بذلك ; لأنه يتصرف بالتفويض فيتقدر بقدر ما فوض إليه كالوكيل ، ولو استخلف تتوقف قضايا خليفته على إجازته بمنزلة الوكيل الخاص ، إذا وكل غيره فتصرف ، ولو كان الإمام أذن له بذلك كان له ذلك ، كالوكيل العام وفي آداب القضاء وما ندب القاضي إلى فعله كثرة لها كتاب مفرد هناك ، إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية