الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                وإذا وجد رجل قتيلا في دار نفسه فالقسامة والدية على عاقلته لورثته في قول أبي حنيفة رضي الله عنه وفي قولهما - رحمهما الله - لا شيء فيه ، وهو قول زفر والحسن بن زياد - رحمهم الله - وروي عن أبي حنيفة - رحمه الله - مثل قولهم ( وجه ) قولهم : أن القتل صادفه ، والدار ملكه ، وإنما صار ملك الورثة عند الموت ، والموت ليس بقتل ; لأن القتل فعل القاتل ، ولا صنع لأحد في الموت ، بل هو من صنع الله - تبارك وتعالى - فلم يقتل في ملك الورثة فلا سبيل إلى إيجاب الضمان على الورثة وعواقلهم ، ولأن وجوده قتيلا في دار نفسه بمنزلة مباشرة القتل بنفسه كأنه قتل نفسه بنفسه فيكون هدرا ، ولأبي حنيفة رضي الله عنه أن المعتبر في القسامة - وقت ظهور القتيل ، لا وقت وجود القتل بدليل أن من مات قبل ذلك لا يدخل في الدية ، والدار وقت ظهور القتيل لورثته ; فكانت القسامة والدية عليهم وعلى عواقلهم تجب ، كما لو وجد قتيلا في دار ابنه ، فإن قيل كيف تجب الدية عليهم وعلى عواقلهم ، وأن الدية تجب لهم ؟ فكيف تجب لهم وعليهم ؟ وكذا عاقلتهم تتحمل عنهم لهم أيضا ، وفيه إيجاب لهم أيضا وعليهم ، وهذا ممتنع - فالجواب : ممنوع أن الدية تجب لهم بل للقتيل ; لأنها بدل نفسه فتكون له ، وبدليل أنه يجهز منها ، وتقضى منها ديونه ، وتنفذ منها وصاياه ثم ما فضل عن حاجته تستحقه ورثته لاستغناء الميت عنه ، والورثة أقرب الناس إليه وصار كما لو وجد الأب قتيلا في دار ابنه أو في بئر حفرها ابنه أليس أنه تجب القسامة والدية على الابن وعلى عاقلته ولا [ ص: 294 ] يمتنع ذلك ; لما قلنا كذا هذا ، وإن اعتبرنا وقت وجود القتل - فهو ممكن أيضا ; لأنه تجب على عاقلته لتقصيرهم في حفظ الدار فتجب عليهم الدية حقا للمقتول ثم تنتقل منه إلى ورثته عند فراغه عن حاجته ، وذكر محمد إذا وجد ابن الرجل أو أخوه قتيلا في داره أن على عاقلته دية ابنه ودية أخيه ، وإن كان هو وارثه ; لما قلنا : إن وجود القتيل في الدار كمباشرة صاحبها القتل فيلزم عاقلته ذلك للمقتول ثم يستحقها صاحب الدار بالإرث ، ولو وجد مكاتب قتيلا في دار نفسه فدمه هدر ; لأن داره في وقت ظهور القتيل ليست لورثته بل هي على حكم ملك نفسه إلى أن يؤدي بدل الكتابة ، فصار كأنه قتل نفسه فهدر دمه رجلان كانا في بيت ليس معهما ثالث وجد أحدهما مذبوحا قال أبو يوسف : يضمن الآخر الدية .

                                                                                                                                وقال محمد : لا ضمان عليه .

                                                                                                                                ( وجه ) قوله : أنه يحتمل أنه قتله صاحبه ويحتمل أنه قتل نفسه فلا يجب الضمان بالشك ، ولأبي يوسف أن الظاهر أنه قتله صاحبه ; لأن الإنسان لا يقتل نفسه ظاهرا وغالبا ، واحتمال خلاف الظاهر ملحق بالعدم .

                                                                                                                                ألا ترى أن مثل هذا الاحتمال ثابت في قتيل المحلة ولم يعتبر .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية