الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                هذا إذا كان المقتول أجنبيا ( فأما ) إذا كان مولى القاتل فالقاتل لا يخلو : ( إما ) إن كان قنا ( وإما ) إن كان مدبرا ( وإما ) إن كان أم ولد ( وإما ) إن كان مكاتبا فإن كان قنا فقتل مولاه خطأ - فجنايته هدر ; لأن المولى لا يجب له على عبده دين ، وإن قتله عمدا فعليه القصاص لما مر ، ولو قتله عمدا ، وله وليان فعفا أحدهما حتى سقط القصاص بطلت الجناية ، ولا يجب للذي لم يعف شيء في قولهما .

                                                                                                                                وقال أبو يوسف - رحمه الله - : يقال للذي عفا : إما أن تدفع نصف نصيبك ، وهو ربع العبد إلى الذي لم يعف أو تفديه بربع الدية ( وجه ) قوله أن القصاص كان مشتركا بينهما لكل واحد منهما النصف ، فإذا عفا أحدهما فقد سقط نصف القصاص ، وانقلب نصيب صاحبه ، وهو النصف مالا شائعا في النصفين نصفه ، وهو الربع في نصيبه ونصفه في نصيب الشريك فما كان في نصيبه يسقط ، وما كان في نصيب الشريك يثبت ( وجه ) قولهما أن الدية إما أن تجب حقا للمولى ، والوارث يقوم مقامه في استيفاء حق وجب له ، وإما أن تجب حقا للورثة بانتقال الملك إليهم بطريق الوراثة .

                                                                                                                                وكيف ما كان فالمولى لا يجب له على عبده دين ، وإن كان مدبرا فقتل مولاه خطأ فجنايته هدر ، وعليه السعاية في قيمته ; لأنه لو وجبت الدية لوجبت على المولى ; لأنه لو جنى على أجنبي لوجبت الدية عليه فههنا أولى ، ولا سبيل إلى الإيجاب له ، وعليه إلا أنه يسعى في قيمة نفسه ; لأن العتق يثبت بطريق الوصية .

                                                                                                                                ألا ترى أنه يعتبر من الثلث ؟ ، والوصية لا تسلم للقاتل إلا أن العتق بعد وقوعه لا يحتمل الفسخ فوجب عليه قيمة نفسه ، ولو قتله عمدا فعليه القصاص ، ويسعى في قيمته لما قلنا ، وورثته بالخيار إن شاءوا عجلوا استيفاء القصاص ، وبطلت السعاية ، وإن شاءوا استوفوا السعاية ثم قتلوه قصاصا ; لأنهما حقان ثبتا لهم ، واختيار السعاية لا يكون مسقطا للقصاص ; لأن السعاية ليست بعوض عن المقتول بل هي بدل عن الرق ، ولو كان للمولى وليان عفا أحدهما - ينقلب نصيب الآخر مالا بخلاف القن ; لأن هناك لا يمكن إيجاب الضمان ; لأنه لو وجب لوجب للمولى على عبده ، وليس يجب للمولى على عبده دين ، وههنا يمكن ; لأن المدبر يعتق بموت سيده فيسعى ، وهو حر فلم يكن في إيجاب الدية عليه إيجاب الدين للمولى على عبده فهو الفرق وإن كان أم ولد فقتلت مولاها خطأ أو عمدا فحكمها حكم المدبر ، وإنما يختلفان في السعاية فأم الولد لا سعاية عليها ، والمدبر يسعى في قيمته ; لأن العتق هناك يثبت بطريق الوصية ، وعتق أم الولد ليس بوصية حتى لا يعتبر من الثلث ، ولو قتلت أم الولد مولاها عمدا ، وله ابنان من غيرها فعفا أحدهما سعت في نصف قيمتها للذي لم يعف ; لأن القصاص قد سقط بعفو أحدهما ، وانقلب نصيب الآخر مالا ، وإنما وجب عليها السعاية في نصف قيمتها لا في نصف الدية ، وإن كانت هي حرة وقت وجوب السعاية لأنها عتقت بموت سيدها [ ص: 271 ] وتسعى ، وهي حرة ; لأنها كانت مملوكة وقت الجناية فيجب اعتبار الحالين حال وجود الجناية ، وحال وجوب السعاية ، ولو كانت مملوكة في الحالين بأن قتلت أجنبيا خطأ لوجبت القيمة .

                                                                                                                                وكانت على المولى لا عليها ، فإن كانت مملوكة حال الجناية حرة حال السعاية اعتبرنا بالحالين فأوجبنا نصف القيمة اعتبارا إلى وجود الجناية .

                                                                                                                                وأوجدنا ذلك عليها لا على المولى اعتبارا بحال وجوب السعاية اعتبارا للحالين بقدر الإمكان ، ولو كان أحد الابنين منها لا يجب القصاص عليها ، وسعت في جميع قيمتها أما عدم وجوب القصاص - فلأنه لو وجب لوجب مشتركا بينهما ، ولا يمكن الإيجاب في نصيب ولدها ; إذ لا يجب للولد على أمه قصاص لتعذر الاستيفاء احتراما للأم ( وأما ) لزوم السعاية فلأن القصاص سقط للتعذر ، ولا تعذر في القيمة فتسعى في جميع قيمتها ، وتكون بينهما ، وإن كان مكاتبا فقتل مولاه خطأ فعليه الأقل من قيمته أو الدية ; لأن جناية المكاتب على مولاه لازمة كجناية مولاه عليه ; لأنه فيما يرجع إلى إكسابه ، وأرش جناياته كالأجنبي ; لأنه أحق بإكسابه من المولى ، وتجب القيمة حالة ; لأنها تجب بالمنع من الدفع فتكون حالة كما تجب على المولى بجناية مدبره ، وإن كان عمدا فعليه القصاص ، والله - سبحانه وتعالى - أعلم .

                                                                                                                                ( هذا ) إذا كان القاتل والمقتول حرين أو كان القاتل حرا والمقتول عبدا أو كان القاتل عبدا والمقتول حرا .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية