الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الجزء العاشر

بسم الله الرحمن الرحيم

استعنت بالله

أخبرنا الشيخ الجليل العالم الزاهد أبو علي حسين بن محمد بن الحسين بن إبراهيم الدلفي المقدسي قال : قرأ الشيخ أبو محمد ظاهر النيسابوري ، على الشيخ الثقة أبي محمد حسن بن علي بن محمد بن الحسن الجوهري ببغداد بباب المراتب حرسها الله يوم الإثنين ثالث عشر جمادى الآخرة من سنة أربع وخمسين وأربعمائة وأنا حاضر أسمع ، وأقر به ، قال له :

1219 - أخبركم أبو عمر محمد بن العباس بن زكريا بن حيويه ، قراءة عليه في شهر ربيع الأول سنة اثنتين وثمانين وثلاثمائة وأنت حاضر تسمع قال : حدثنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد قرأه علينا من لفظه عند منزله في شهر ذي القعدة من سنة تسع وثلاثمائة قال : حدثنا الحسين بن الحسن المروزي قال : أخبرنا أبو معاوية الضرير قال : حدثنا الأعمش ، عن المنهال بن عمرو ، عن زاذان أبي عمر ، عن البراء بن عازب قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار ، فانتهينا إلى القبر [ ص: 431 ] ، ولما يلحد له ، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجلسنا حوله كأن على رؤوسنا الطير ، في يده عود ينكت به في الأرض ، فرفع رأسه ، فقال : " استعيذوا بالله من عذاب القبر " مرتين ، أو ثلاثا ، ثم قال : إن العبد المؤمن إذا كان في إقبال من الآخرة ، وانقطاع من الدنيا ، نزل إليه الملائكة بيض الوجوه ، كأن وجوههم الشمس ، معهم كفن من كفن الجنة ، وحنوط من حنوط الجنة ، فيجلسون منه مد البصر ، ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه ، فيقول : أيتها النفس المطمئنة الطيبة! اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان ، فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء ، فيأخذها ، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها ، فيجعلوها في ذلك الكفن ، وفي ذلك الحنوط ، ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض ، فيصعدون بها ، ولا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا : ما هذه الروح الطيبة ؟ فيقولون : فلان بن فلان بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه في الدنيا ، حتى ينتهوا به إلى السماء الدنيا ، فيستفتحون له ، فيفتح له ، فيشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها ، حتى ينتهى به إلى السماء السابعة ، فيقول الله : اكتبوا كتاب عبدي في عليين ، وأعيدوه في الأرض ، فإني منها خلقتهم ، وفيها أعيدهم ، ومنها أخرجهم تارة أخرى ، قال : فيعاد روحه في جسده ، ويأتيه ملكان فيجلسانه ، فيقولان له : ما دينك ؟ فيقول : ديني الإسلام ، فيقولان : ما هذا الرجل الذي بعث فيكم ؟ فيقول : هو رسول الله ، فيقولان له : ما عملك ؟ فيقول : قرأت كتاب الله ، فآمنت به وصدقت ، فينادي مناد من السماء أن صدق عبدي أفرشوه من الجنة ، وألبسوه من الجنة ، وافتحوا له بابا إلى الجنة ، فيأتيه من روحها وطيبها ، فيفسح له في قبره مد بصره ، ويأتيه رجل حسن الوجه طيب الريح ، فيقول له : أبشر [ ص: 432 ] بالذي يسرك ، وهذا يومك الذي كنت توعد ، فيقول له : من أنت ؟ فوجهك الوجه يجيء بالخير ، فيقول : أنا عملك الصالح ، فيقول : ربي أقم الساعة ، رب أقم الساعة ثلاثا ، حتى أرجع إلى أهلي ومالي ، قال : وإن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا ، وإقبال من الآخرة نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه ، معهم المسوح فيجلسون منه مد البصر ، ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه ، فيقول : أيتها النفس الخبيثة ، اخرجي إلى سخط من الله وغضب ، فتفرق في أعضائه كلها ، فينتزعها كما ينتزع السفود من الصوف المبلول ، فتتقطع معها العروق والعصب ، فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها من يده ، فيجعلوها في تلك المسوح ، قال : ويخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض ، فيصعدون بها فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا : ما هذه الروح الخبيثة ؟ فيقولون : فلان ابن فلان بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا ، حتى ينتهوا إلى السماء الدنيا فيستفتحون لها فلا يفتح لها ، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط ، قال : ثم يقول الله سبحانه وتعالى : اكتبوا كتابه في سجين في الأرض السفلى ، فيطرح روحه طرحا ، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق ، قال : فيعاد روحه في جسده ، فيأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان : من ربك ؟ فيقول : ها ها لا أدري ، فيقولان له : ما دينك ؟ فيقول : ها ها لا أدري ، فيقولان له : ما هذا الرجل الذي بعث فيكم ؟ فيقول : ها ها لا أدري ، فينادي مناد من السماء : أن كذب عبدي فأفرشوه من النار [ ص: 433 ] ، وألبسوه من النار ، وافتحوا له بابا إلى النار ، ويدخل عليه من حرها وسمومها ، ويضيق عليه قبره ، حتى تختلف فيه أضلاعه ، قال : ويأتيه رجل قبيح الوجه ، قبيح الثياب ، منتن الريح ، فيقول : أبشر بالذي يسوءك ، هذا يومك الذي كنت توعد ، فيقول : من أنت ؟ فوجهك الوجه يجيء بالشر ، فيقول : أنا عملك السيئ ، فيقول : ربي لا تقم الساعة ، رب لا تقم الساعة .

التالي السابق


الخدمات العلمية