الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          معلومات الكتاب

          الفساد المالي والإداري - رؤية إسلامية - في الوقاية والعلاج

          الأستاذ / أمين نعمان الصلاحي

          المبحث الثاني

          أسباب الفساد المالي والإداري

          مما لا شك فيه أن آفة الفساد المالي والإداري تتفاوت من دولة إلى أخرى، وأنه كلما كانت مؤسسات الدولة ضعيفة، والمعايير التي تقوم عليها تلك المؤسسات مختلة، فإن ظاهرة الفساد المالي والإداري تستشري على نطاق أوسع كما هو الحال في كثير دول العالم الثالث.

          ومن المهم جدا لفهم ظاهرة الفساد المالي والإداري ولمكافحتها ـ أيضا ـ الوقوف على أسبابها، وكما يقال: فإن معرفة أسـباب الداء هي الخطوة الأولى في علاجه.

          وإذا تأملنا في الأسباب والعوامل المؤدية للفساد المالي والإداري فسوف نجد مجموعة من الأسباب والعوامل المتداخلة، وأهمها ما يلي:

          أولا: ضعف الوازع الديني والأخلاقي:

          وهذا سبب عام لكل أنواع الفساد؛ ذلك أن البعد عن الدين، والتنكر للقيم الأخلاقية، يجعل الإنسان مهيأ لسلوك طريق الفساد والانحراف، حيث لا وازع من دين، ولا رادع من خلق.

          [ ص: 30 ] ومن هنا تأتي أهمية تنمية الوازع الديني والأخلاقي في النفوس كمحور مهم من محاور السياسة الوقائية في الإسلام، كما سيأتي معنا في موضعه من هذا البحث.

          ثانيا: فساد الإدارة السياسية للدولة:

          إن فساد القائمين على النظم السياسية يؤدي إلى فساد عام يطال كل مؤسسات وأجهزة الدولة، وحين تتدخل النخب السياسية الحاكمة في عمل الأجهزة والمؤسسات الرسمية بدوافع حزبية أو سياسية ضاربة عرض الحائط بكل اللوائح والنظم والقوانين المنظمة لعمل تلك المؤسسات والأجهزة فإنها بذلك تؤسس للفساد المالي والإداري وعلى أوسع نطاق.

          ثالثا: التقاليد المجتمعية الخاطئة:

          ففي بعض بلدان العالم ـ ومنها البلدان العربية ـ هنالك تقاليد وموروثات اجتماعية تجعل الفرد مرتبطا بالولاء للعشيرة والقبيلة أكثر من ارتباطه بالولاء للوطن، وبالتالي لا يجد غضاضة في ممارسة المحسوبية والمحاباة لدوائر الانتماء الضيقة على حساب دائرة الانتماء الأوسع (دائرة الانتماء للوطن) ، بل إن الفرد يجد نفسه أمام ضغوطات مجتمعية كبيرة تدفع به نحو قبول الوساطات واستغلال منصبه في تقديم خدمات متحيزة، وكل ذلك ناتج عن الجهل، وشيوع التقاليد العصبية.

          [ ص: 31 ] "وقد قام مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية عام 2006م بعمل استطلاع للرأي العام حول قياس وتحليل مدى انتشار الفساد في الأردن، ومن خلال السؤال حول مدى القبول الاجتماعي لبعض أنواع الفساد؟ فقد تباين التقييم العام الأردني حول ذلك حيث تبين أن 51.2 % من أفراد العينة الوطنية يرى أن ممارسة المحسوبية والواسطة في القطاع العام مقبول اجتماعيا، فيما أفاد 43.6 % بأن استغلال المنصب الوظيفي مقبول اجتماعيا، في حين اعتبر 26.3% بأن ممارسة الرشوة مقبولة اجتماعيا" [1] .

          رابعا: ضعف المؤسسات وغياب التقاليد المؤسسية:

          وهذا الضعف يمكن ملاحظته من سيادة الروح الفردية في عمل تلك المؤسسات، ومن ضعف أجهزة الرقابة والمحاسبة، وفساد وتخلف الإجراءات الإدارية، وهو ما يجعل البيئة خصبة جدا لانتشار واستشراء الفساد المالي والإداري.

          خامسا: تدني الأجور والمرتبات وعدم تحقيقها للكفاية:

          وهذا سبب آخر لا يمكن تجاهله، فالأجور والمرتبات الضعيفة والمتدنية والتي لا تلبي المتطلبات الأساسية في الحياة، بل تجعل الموظف يعيش في حالة [ ص: 32 ] احتياج وعوز دائم، لا شك أنها تدفع بالبعض نحو ممارسة ضروب من الفساد المالي والإداري في سبيل الحصول على المال لمواجهة متطلبات وضرورات الحياة الأساسية كالمسكن والغذاء والملبس والدواء.

          ولا ينبغي أن يفهم من هذا الكلام التبرير للفساد المالي والإداري؛ ذلك أن الجريمة تبقى جريمة مهما كانت الأسباب والدوافع، لكن معرفة الأسباب والدوافع تفيد كثيرا في وضع الاستراتيجيات المناسبة لمكافحة الجريمة، لاسيما تلك الاستراتيجيات القائمة على السياسات الوقائية.

          [ ص: 33 ]

          التالي السابق


          الخدمات العلمية