الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          معلومات الكتاب

          الفساد المالي والإداري - رؤية إسلامية - في الوقاية والعلاج

          الأستاذ / أمين نعمان الصلاحي

          المبحث الثالث

          صور ومظاهر الفساد المالي والإداري

          يبرز الفسـاد المالي والإداري في عدد من السـلوكيات والممارسـات التي تتنافى مع القيم والأخلاق، وتنتهك الشرف الوظيفي، وتخالف القانون.

          ويمكن رصد الفساد المالي والإداري في العديد من المظاهر والصور، وذلك على النحو الآتي:

          أولا: الإهمال الوظيفي:

          إن الموظف - سواء كانت وظيفته في القطاع العام أو القطاع الخاص- عليه واجبات والتزامات يجب عليه أداءها على الوجه المطلوب منه، والخروج عن تلك الواجبات والالتزامات الوظيفية، أو التهاون في أدائها هو ما نعنيه بالإهمال الوظيفي.

          وعند علماء الإدارة يعرف الإهمال الوظيفي بأنه:

          "تراخي الموظف عن القيام بالواجبات الموكولة إليه بحكم وظيفته، وبالقدر الواجب من الحيطة والحذر" [1] .

          [ ص: 34 ] والإهمال الوظيفي له صور متعددة، منها [2] :

          1- الاستهتار بالمال العام، وعدم المحافظة عليه وصيانته، سواء كان المال العام نقدا أم أشياء عينية.

          2- التغيب عن العمل دون إذن مسبق، ودون عذر مسوغ.

          3- التأخر عن المواعيد الرسمية للعمل.

          4- التراخي أو التقاعس أو التسويف في أداء ما يجب من الأعمال (ضعف الإنجاز).

          5- عدم الإتقان في أداء الأعمال الموكلة.

          ثانيا: سوء استخدام السلطة:

          للموظف بحكم موقعه الوظيفي نفوذ وسلطة ممنوحة له قانونيا لخدمة الصالح العام، ومن صور الفساد المالي والإداري أن يعمد الموظف إلى استخدام سلطته الوظيفية لتحقيق مصالح ومكاسب غير مشروعة، لذاته أو للآخرين.

          ويمكن تعريف سوء استخدام السلطة بأنه: "سعي الموظف من خلال ممارسة اختصاصه إلى تحقيق غاية مختلفة عن تلك الغاية التي حددها القانون للأعمال الداخلة في هذا الاختصاص" [3] .

          [ ص: 35 ] ويدخل ضمن نطاق سوء استخدام السلطة الممارسات التالية:

          1- الواسطة:

          وتعرف الواسطة بأنها: "طلب فرد من موظف عام إنجاز عمل، مشروع أو غير مشروع، لصالحه أو لصالح فرد آخر" [4] .

          وحين يمارس الموظف الواسطة مستغلا نفوذه الوظيفي، أو حين يقبلها لتمرير أعمال غير مشروعة، فهو في كلا الحالتين يسيء استخدام سلطته الوظيفية.

          2- المحسوبية:

          وتتمثل المحسوبية في "تقريب المعارف ولو كانوا ضعفاء واستبعاد غيرهم ولو كانوا أقوياء" [5] .

          وفي المحسـوبية، يسـتـغل الموظـف سـلطته ونفـوذه لتحقيـق مصـالح خـاصـة، على حسـاب المصـلحة العـامـة، وقد تـكون تلك المصـالح الخاصـة للأهل والعشـيرة، أو للأصـدقاء، أو للحزب، أو للجماعة ... الخ.

          [ ص: 36 ] وتظهر المحسوبية في التوظيف والترقية للمناصب؛ حيث تغيب المعايير الموضـوعية التي على أساسها يمنح الشـخص الوظيفة أو الترقية، وبدلا عن تلك المعايير يحل معيـار الولاء الشـخصي، أو الأسـري، أو الجهـوي، أو الطائفي، أو الحزبي.

          ثالثا: الرشوة:

          كانت الرشوة ولا تزال من أسوأ صور ومظاهر الفساد المالي والإداري، والوسيلة الأخطر في إفساد الضمائر، وإسقاط هيبة المؤسسات، وتقويض دعائم الحكم الرشيد.

          وتعرف الرشوة بأنها: "اتجار الموظف العام أو من هو في حكمه بأعمال الوظيفة أو الخدمة العامة الداخلة في اختصاصه أو يزعم أنها داخلة فيه" [6] .

          والرشـوة محرمة في كل الشـرائع والقـوانين، وحين يقبلها الموظف أو يطلبها، فهو يحول منصبه الوظيفي إلى سلعة، وينحط بالأعمال والخدمات الوظيفية التي يقدمها فلا تعود واجبا وظيفيا محترما، بل سلعة قابلة للمساومة!



          [ ص: 37 ] رابعا: الاختلاس:

          يعتبر الاختلاس من أسـوأ الانحرافات التي قد يقترفها الموظف، ويقصد بالاختلاس هنا أن يسـتولي الموظف على مال هو مؤتمن عليه بحكم وظيفته [7] .

          وقـد يكون هـذا المال مالا عـاما مملوكا للدولة، أو مملوكا لمؤسسات أو شركات خاصة، أو لأفراد.

          فالاختلاس إذن خيانة للأمانة، وهو من الجرائم المخلة بالشرف.. والفرق بين الاختلاس والسرقة:

          أن المختلس يأخذ مالا هو مؤتمن عليه على حين غفلة من مالكه، ويأخذه من غير حرز..

          وأما السـارق فهو يهتـك الحـرز، ويـكسـر القفل، حـتى يصـل إلى المال [8] .

          [ ص: 38 ] خامسا: التزوير:

          التزوير هو تغيير الحقيقة، ويتم ذلك بالعديد من الطرق كالكشط، والمحو، والطمس، أو تقليد خط شخص آخر، أو توقيعه، أو اصطناع محرر بأكمله، أو بكتابة بيانات غير صحيحة [9] .

          وجريمة التزوير هي إحدى الجرائم التي قد يمارسها الموظف استغلالا منه لموقعه الوظيفي في تحقيق مآرب وأغراض غير مشروعة [10] .

          [ ص: 39 ]

          التالي السابق


          الخدمات العلمية