الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون

                                                                                                                                                                                                                                      217 - ونزل فى سرية بعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقاتلوا المشركين، وقد أهل هلال رجب وهم لا يعلمون ذلك، فقالت قريش: قد استحل محمد الشهر الحرام شهرا يأمن فيه الخائف، يسألونك عن الشهر الحرام أي: يسألك الكفار أو المسلمون عن القتال في الشهر الحرام قتال فيه بدل الاشتمال من الشهر. وقرئ: (عن قتال فيه) على تكرير العامل، كقوله: للذين استضعفوا لمن آمن منهم [الأعراف: 75] قل قتال فيه كبير أي: إثم كبير، قتال مبتدأ و كبير خبره، وجاز الابتداء بالنكرة; لأنها قد وصفت بـ "فيه". وأكثر الأقاويل على أنها منسوخة بقوله تعالى: فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم [التوبة: 5] وصد عن سبيل الله أي: منع المشركين رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه عن البيت عام الحديبية، وهو مبتدأ. وكفر به أي: بالله، عطف عليه والمسجد الحرام عطف على سبيل الله، أي: وصد عن سبيل الله وعن المسجد الحرام. وزعم الفراء أنه معطوف على الهاء في "به"، أي: كفر به وبالمسجد الحرام، ولا يجوز عند البصريين العطف على الضمير المجرور إلا بإعادة الجار، فلا تقول: مررت به وزيد، ولكن تقول: وبزيد، ولو كان معطوفا على الهاء هنا; لقيل: وكفر به وبالمسجد الحرام، وإخراج أهله أي: أهل المسجد الحرام، وهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون، وهو عطف عليه صد أيضا منه من المسجد الحرام. وخبر الأسماء الثلاثة أكبر عند الله أي: مما فعلته السرية من القتال في الشهر الحرام على سبيل الخطأ، والبناء على الظن، والفتنة الإخراج، أو الشرك. أكبر من القتل في الشهر الحرام، أو تعذيب الكفار المسلمين أشد قبحا من قتل هؤلاء المسلمين في الشهر الحرام، ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم أي: إلى الكفر، وهو إخبار [ ص: 181 ] عن دوام عداوة الكفار للمسلمين، وأنهم لا ينفكون عنها حتى يردوهم عن دينهم، وحتى معناها التعليل، نحو: فلان يعبد الله حتى يدخل الجنة، أي: يقاتلونكم كي يردوكم، وقوله تعالى: إن استطاعوا استبعاد لاستطاعتهم، كقولك لعدوك: إن ظفرت بي فلا تبق علي، وأنت واثق بأنه لا يظفر بك. ومن يرتدد منكم عن دينه ومن يرجع عن دينه إلى دينهم. فيمت وهو كافر أي: يمت على الردة فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة لما يفوتهم بالردة مما للمسلمين في الدنيا من ثمرات الإسلام، وفي الآخرة من الثواب، وحسن المآب وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون وبها احتج الشافعي -رحمه الله- على أن الردة لا تحبط العمل حتى يموت عليها، وقلنا: قد علق الحبط بنفس الردة بقوله تعالى: ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله [المائدة: 5] والأصل عندنا: أن المطلق لا يحمل على المقيد، وعنده يحمل عليه، فهو بناء على هذا.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية