الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                الفائدة السادسة عشرة

                                                                                                                في قوله تعالى : فإن كانتا اثنتين اتفق النحاة على أن خبر المبتدأ لا يجوز أن يكون معلوما من الخبر ، قال أبو علي : ( يمتنع قولك إن الذاهب جاريته صاحبها ; لأنه قد فهم من قولك جاريته أنه صاحبها ، وكذلك يفهم من قوله تعالى كانتا أنهما اثنتان ، فالخبر معلوم من الاسم ، ومقتضى ما تقدم المنع ) ، قال أبو علي في تعاليقه : كانت العرب تورث الكبيرة دون الصغيرة اهتضاما لها ، فأشار الله تعالى بقوله " اثنتين " إلى أصل العدد المجرد من الصغر والكبر ، وكأنه تعالى يقول كيف كانتا ، فصار وصف التجريد عن الكبر والصغر قيدا زائدا في الخبر وهو لم يعلم من الاسم ، فحسن أن يكون خبر الزيادة كما قال أبو النجم :


                                                                                                                أنا أبو النجم وشعري شعري

                                                                                                                أي المعروف ، فحسن لإضمار الصفة ، ونظائره كثيرة .

                                                                                                                الفائدة السابعة عشرة

                                                                                                                في قوله تعالى : يبين الله لكم بصيغة المضارع بعد أن تقدم البيان ، فالمطابق لتقدم البيان : بين الله لكم فلم عدل عنه للمضارع ؟ وجوابه أن الفعل المضارع يستعمل للحالة المستمرة مجازا ، كقولهم فلان يعطي ويمنع ، ويصل ويقطع ، أي : هذا شأنه ، ومنه قول خديجة - رضي الله عنها - لرسول الله صلى الله عليه وسلم - : " إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتعين على نوائب الحق " أي : هذا شأنك : فمراد الآية : أن البيان شأن الله تعالى في هذه المسألة وفي غيرها ، فهي [ ص: 38 ] تحقيق للماضي ، وعدة بوقوع البيان في المستقبل ، فكان المعنى أتم من الماضي وحده .

                                                                                                                الفائدة الثامنة عشرة :

                                                                                                                في قوله تعالى : يبين الله لكم أن تضلوا فإن " أن " في " أن تضلوا " مصدرية مفعول من أجله ، وهو غير مراد الظاهر ; لأن معنى الظاهر يبين الله لكم من أجل أن تضلوا ، فيكون الإضلال هو الباعث على البيان ، وليس كذلك بل ضده ، فيتعين مضافا محذوفا تقديره يبين الله لكم كراهة أن تضلوا ، أو خشية أن تضلوا فهذا المحذوف هو المفعول من أجله على التحقيق ، ونظائره في القرآن كثيرة .

                                                                                                                الفائدة التاسعة عشرة

                                                                                                                في الحديث النبوي المتقدم ; لأنه إذا اجتمع بنت وبنت ابن وأخت فللبنت النصف لأنها نصف أخيها ، وهي وبنت الابن ابنتان فلهما الثلثان كما تقدم تعليله ، وهو أربعة أرباع ، للبنت منها ثلاثة لأنها النصف ، ولو كان مكان ابنة الابن أخوها كان له النصف الباقي ، فإذا كانت أنثى كان لها الربع من حظهما ; لأنه إذا تبين أن البنتين للصلب لا يزادان على الثلثين فأولى إن كانت إحداهما بنت ابن ، وإذا تعين لها الربع من حظهما فهو السدس تكملة الثلثين .

                                                                                                                فيلاحظ هاهنا ثلاثة أمور : أن البنتين لا يزادان على الثلثين ، وأن البنت لقربها جعل لها النصف ، وأن السدس الصالح لبنت الابن هو ربع باعتبار الثلثين لا باعتبار أصل المال ، وكان الأصل أن يكون لها الربع من أصل المال ، لكن عدل عن ذلك لئلا ترجح هاتان على بنات الصلب ، وللأخت ما بقي لأنها ذات فرض النصف ، وتقوم مقام البنت عند عدمها فيكون للاثنتين منهن الثلثان ، وهي تدلي بالبنوة لأنها بنت ابنه فتقدم لأنها من أرباب الفروض على العصبات فتأخذ ما بقي ، لهذا السبب صارت الأخوات عصبة البنات ، وهذا الحديث مخصص لقوله تعالى : [ ص: 39 ] ليس له ولد وله أخت فاشترط في توريثها عدم الولد ، ولذلك قال ابن عباس يقدم العصبة عليها لظاهر الآية : فإن الله تعالى لم يجعل لها شيئا إلا عدم الولد ، وهذا الحديث يبين أن مراد الله تعالى بالولد الذكر .

                                                                                                                الفائدة العشرون

                                                                                                                في حديث الجدة إنما كان لها السدس ; لأنها أبعد رتبة من الأم والأب ، فجعل لها أدنى حالتي الأم والأب وهو السدس ، والفرق بينها وبين بنت الابن ( إذا انفردت تأخذ النصف ، أن بنت الابن ) تدلي بالبنوة ، والجدة تدلي بالأمومة وهي أضعف من البنوة ، وبينها وبين الإخوة للأم أن لهم الثلث إذا اجتمعوا وإن كان الجميع يدلي بالأم ، وهذا أشكل من الأول ، أن الأخ للأم يقول أنا ابن أمه ( والجدة تقول أنا أم أمه ) فالأول يدلي بالبنوة المقدمة على الأمومة ، فهذه علل مقادير الفرائض ( وحكمها وهي من أجل علم الفرائض ) فتأملها .

                                                                                                                تفريع : الفروض المقدرة ستة : الثلثان ، ونصفهما وهو الثلث ، ونصفه وهو السدس ، والنصف ، ونصفه وهو الربع ، ونصفه وهو الثمن .

                                                                                                                قال ابن يونس : المجمع على تورثيه ( من الرجال ) خمسة عشر : الابن ، وابن الابن وإن سفل ، والأب ، والجد أبو الأب وإن علا ، والأخ الشقيق ، والأخ للأب ، والأخ للأم ، وابن الأخ الشقيق وإن بعد ، وابن الأخ من الأب وإن بعد ، والعم الشقيق ، والعم للأب ، وابن العم الشقيق وإن بعد ، وابن العم للأب وإن بعد ، وعمومة الأب وبنوهم داخلون في العمومة ، والزوج ، ومولى النعمة .

                                                                                                                ومن النساء عشرة : البنت ، وبنت الابن وإن سفل ، والأم ، والجدة للأم ، [ ص: 40 ] والجدة للأب ، والأخت الشقيقة والأخت للأب ، والأخت للأم ، والزوجة ، ومولاة النعمة .

                                                                                                                وفي الجواهر من عدا هؤلاء كأب الأم وأمه ، وأولاد البنات وبنات الإخوة وأولاد الأخوات وبني الإخوة للأم ، والعم للأم وأولاده ، والعمات والأخوال والخالات وأولادهم ، وبنات الأعمام فهم ذوو أرحام لا شيء لهم .

                                                                                                                والمستحقون بالقرابة ، منهم بغير واسطة وهم البنون والبنات والآباء والأمهات ، ومنهم من يستحق بواسطة بينه وبين الميت ، وهم أربعة أصناف :

                                                                                                                ذكر يتسبب بذكر وهم العصبة كبني البنين وإن سفلوا ، والجد وإن علا ، والإخوة وبنوهم ، والأعمام وبنوهم وإن بعدوا ومن يتسبب من هؤلاء بأنثى فلا ميراث له كالجد للأم وبني الإخوة للأم وبني البنات ونحوهم ، إلا الإخوة للأم لكن لا يرثون بالتعصيب .

                                                                                                                الصنف الثاني إناث يتسببون بإناث وهم اثنان فقط : الجدة للأم ، والأخت للأم .

                                                                                                                الصنف الثالث : ذكور يتسببون بأنثى وهو واحد فقط الأخ للأم .

                                                                                                                الصنف الرابع : إناث يتسببون بذكور وهم ثلاثة فقط : الأخوات للأب ، وبنات البنين ، والجدة أم الأب .

                                                                                                                والوارثون بالسهام المقدرة ثلاثة أصناف :

                                                                                                                صنف لا يرث إلا بها وهم ستة : الأم ، والجدة والزوج ، والزوجة ، والأخ للأم ، والأخت للأم .

                                                                                                                وصنف يرثون بها وبالتعصيب وقد يجمعون بينهما وهم اثنان : الأب والجد فيفرض لهما مع الولد أو ولد الابن السدس ، وإن فضل شيء أخذاه بالتعصيب مع البنت .

                                                                                                                وصنف يرثون تارة بالفرض وتارة بالتعصيب ولا يجمعون بينهما وهم أربع : البنات ، وبنات الابن ، والأخوات الأشقاء ، والأخوات للأب ، لأنهن إذا كان [ ص: 41 ] معهن أخ لم يرثن بالفرض بل بالتعصيب ، وكذلك بنات الابن يعصبهن ذكر إن كان معهن في درجتهن أو أسفل منهن ، ويعصب الأخوات أربعة : الأخ في درجتهن ، والجد ، وبنات الصلب ، وبنات الابن .

                                                                                                                فالنصف فرض خمسة : بنت الصلب ، وبنت الابن مع عدمها ، والزوج مع عدم الحاجب ، والأخت الشقيقة ، والأخت للأب مع عدم الحاجب .

                                                                                                                والربع فرض صنفين : الزوج مع وجود الحاجب ، والزوجة والزوجات مع عدم الحاجب .

                                                                                                                ( والثمن فرض صنف واحد وهو الزوجة مع وجود الحاجب ) .

                                                                                                                والثلثان فرض الابنتين فصاعدا ، والأختين الشقيقتين أو للأب إذا انفردن .

                                                                                                                والثلث فرض الأم مع عدم الحاجب ، والاثنين فصاعدا من ولد الأم .

                                                                                                                والسدس فرض سبعة : الأب مع الحاجب ، والأم مع الحاجب ، والجدة للأب إذا انفردت أو مع أخوات شاركنها ، والواحدة من بنات الابن فأكثر مع بنات الصلب ، والأخت للأب فأكثر مع الشقيقة ، والواحد من ولد الأم ذكرا أو أنثى ، والجد مع الولد أو ولد الولد .

                                                                                                                والفروض الخارجة عن المقدرة بالنص هي ثلث ما بقي في زوج وأبوين ، وزوجة وأبوين ، وللجد مع الإخوة إذا كان ثلث ما بقي عن ذوي السهام أفضل له .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية