الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وإذا كانت المضاربة ألف درهم فاشترى عليها جارية بخمسين دينارا ، وقبضها وصرف الدراهم فنقدها البائع ، فالقياس فيه أن يكون مشتريا لنفسه ، وهو قول زفر - رحمه الله - ولكن استحسن علماؤنا الثلاثة - رحمهم الله - وقالوا : هو مشتر للمضاربة ، وكذلك لو كانت المضاربة دنانير فاشترى عليها بدراهم فصرفها ، ونقد الدراهم ، وجه القياس في الفصلين : أنه اشترى بجنس آخر غير ما في يده من مال المضاربة ; لأن الدراهم ، والدنانير جنسان حقيقة وحكما ; ولهذا لا يحرم التفاضل بينهما ، فكان هذا بمنزلة ما لو اشترى بالحنطة والمال في يده دراهم ، أو دنانير .

( ألا ترى ) أنه لا يملك إيفاء الثمن من مال المضاربة إلا بالمبادلة ، أو رضا البائع به كما في المكيل ، والموزون ، وحجة الاستحسان : أن الدراهم والدنانير جنسان صورة ، ولكنهما جنس واحد معنى ، ومقصودا ; لأن المعنى المطلوب بهما الثمنية ، والمقصود هو الرواج والنفاق وهما في ذلك كشيء واحد .

وكذلك في حكم المضاربة هما كشيء واحد ، تصح المضاربة بهما بخلاف سائر الأموال ، فإن الشراء بها يكون شراء محضا بثمن في ذمة المشتري ، ويسير عليه إذ ما يلزمه من أحد النوعين في ذمته بالآخر الذي في يده ; لأن الإنسان في مصارفة أحدهما بالآخر لا يحتاج إلى مؤنة كثيرة ، فهي بمنزلة ما لو كانت المضاربة دراهم بختية لها فضل في الصرف ، فاشترى المضارب بألف درهم غلة البلد جارية ، وصرف الدراهم بالدنانير ، ثم صرفها بدراهم غلة البلد ، وأعطاها البائع فذلك جائز استحسانا وزفر - رحمه الله - يخالف [ ص: 172 ] في هذا الفصل أيضا ، ولكن من عادة محمد - رحمه الله - الاستشهاد بالمختلف على المختلف لإيضاح الكلام .

وكذلك لو دفع إلى رجل ألف دينار مضاربة فاشترى بخمسين دينارا منها جارية ، وقبضها ثم اشترى بها وبدراهم أو فلوس طعاما يأكله ، فإن ذلك من المضاربة ، ولا فرق بين أن يشتري طعاما بالدنانير ، أو بالدراهم ، أو بالفلوس ، بخلاف ما إذا اشترى بشيء آخر ، وهذا في الفلوس بناء على الرواية التي قلنا : إن المضاربة بالفلوس يصح ، وهو كالنقود في الصلاحية لرأس مال المضاربة .

ولو كان الذي في يده من المضاربة سوى هذه الثلاثة الأصناف ، ثم اشترى عليها بدراهم ، أو دنانير أو فلوس ، أو صنف آخر غير ما في يده كان مشتريا لنفسه ; لأنه لا مجانسة بين ما في يده من مال المضاربة ، وبين ما اشترى به في الصورة ، والمعنى المقصود ; فلهذا كان مشتريا لنفسه .

التالي السابق


الخدمات العلمية