الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وإذا اشترى المضارب بالمال متاعا ، أو لم يشتر به شيئا ، فنهاه رب المال أن يخرج من البلدة ، فليس له أن يخرجه من ذلك البلد ، أما قبل الشراء بالمال فالجواب صحيح واضح ; لأنه يملك نهيه عن التصرف أصلا ، ما بقي المال نقدا في يده ، فإذا قيد الأمر بشيء دون شيء ، كان أقرب إلى الصحة ، والحال قبل الشراء بعد العقد ; كحال العقد في انتفاء صفة اللزوم في حق كل واحد منهما وانعدام حق المضارب ، فكما أنه يملك التقييد عند العقد ، فكذلك بعد العقد قبل الشراء بالمال .

فأما بعد الشراء بالمال ; فمن أصحابنا - رحمهم الله - من يقول إنما يستقيم الجواب على الرواية التي رويت أنه ليس للمضارب أن يسافر بالمال بمطلق المضاربة ، وموضوع هذه المسألة ، فيما إذا قال له : اعمل برأيك . فإنما يملك المسافرة ، باعتبار هذه الزيادة ، وهو يملك رفع هذه الزيادة بعد الشراء ، فكذلك يملك التقيد فيما هو مستفاد بهذه الزيادة ، فأما على الرواية التي قلنا بمطلق العقد ; له حق المسافرة بالمال لا يستقيم هذا الجواب ; لأنه بعد صيرورة المال عروضا ، لا يملك نهيه عما صار مستفادا له بمطلق العقد ، وهو حق التصرف فيه ، فكذلك لا يملك التقييد فيه بالنهي عن المسافرة بالمال ، والأصح أن نهيه عن المسافرة بالمال ، عامل على الإطلاق ، وإن كان بمطلق المسافرة لدلالة اسم العقد ، فالمضاربة مشتقة من الضرب في الأرض ، أو لمراعاة ما نص عليه رب المال من حفظه المال بنفسه عند خروجه مسافرا كما في الوديعة .

وهذا كله ينعدم بالنهي عن المسافرة بالمال بخلاف أصل التصرف ، فإن حق المضارب يثبت بالتصرف حين صار المال عرضا ; لأن ربحه لا يظهر إلا بالتصرف ، ورب المال لا يملك إبطال حقه ، إما بالنهي عن المسافرة بالمال ، فليس فيه إبطال حق المضارب لتمكنه من التصرف في البلدة ، وإنما فيه إيفاء حق رب المال في أن يكون ماله مصونا عن أسباب الهلاك ، وهذا مملوك بعد ما صار المال عروضا كما كان قبله ، فإن أخرجه ، ضمنه للخلاف ، والأمين متى خالف ما أمر به نصا ، كان ضامنا ، وما أنفق على نفسه ، [ ص: 69 ] أو على المال ، بعد ما صار ضامنا له ، فهو في ماله خاصة بمنزلة الغاصب ، فإن لم يحدث فيه حدثا حتى رده إلى البلد ، فهو بريء من ضمانه ; لأنه عاد إلى الوفاق بعد ما خالف ، والعقد قائم بينهما ، فيعود أمينا كما كان .

وكذلك لو لم ينهه ، ولكن رب المال مات ، والمضاربة في يد المضارب عين ، أو متاع فسافر به المضارب بعد موته ; لأن المال بالموت انتقل إلى الورثة ، ولم يوجد منهم الرضا بسفره به قط ، وما كان من رضا رب المال به ، قد انقطع بموته ، بمنزلة نهيه عن المسافرة بالمال إذا بلغه ، فالنهي لا يعمل في حقه ما لم يعلم به ، ولا فرق في الموت بين أن يعلم به أو لا يعلم ; لأنه عزل حكمي فلا يتوقف على العلم به كعزل الوكيل بموت الموكل .

التالي السابق


الخدمات العلمية