الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " وإذا وجبت عليه جذعة لم يكن له أن يأخذ منه ماخضا إلا أن يتطوع " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا كما قال . إذا كان فرض إبله جذعة لم يجز للساعي أن يأخذ ماخضا ، سواء كانت إبله حوامل أو حوائل إلا أن يتطوع بها ، فيجوز أن تؤخذ منه لزيادتها ، وقال داود بن علي : لا يجوز الماخض بحال لقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه لساعيه : لا تأخذ الربا ولا الماخض ، ولا فحل الغنم . ولأن الحمل نقص في الحيوان ، ألا تراه لو دفع الغرة حاملا في دية الجنين لم تقبل منه ، ولو اشترى أمة فظهر بها حمل كان للمشتري ردها به ، وإذا كان عيبا يوجب الرد لم يجز قبوله في الزكاة ، وهذا خطأ .

                                                                                                                                            [ ص: 100 ] ودليلنا ما روى أبي بن كعب قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم مصدقا ، فأتيت رجلا فجمع لي ماله ، فوجد قد وجبت فيه بنت مخاض ، فقلت له : صدقتك بنت مخاض ، فقال : إنه لا در فيها ولا نسل ، خذ هذه الناقة السمينة الكوماء ففيها در ونسل . فقلت : لم يأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو منك قريب فائته واسأله . فأتاه وسأله فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ذاك الواجب ، فإن تطوعت بخير منه آجرك الله وقبلناه " فدل على أنه أفضل الأمرين ، وأن قبوله جائز ، ولأن الحمل في البهائم زيادة ، ألا ترى أن ديات الإبل تتغلظ به وتتخفف بعدمه ، وإن كان تزايدا وجب أن يكون قبوله جائزا ، فأما نهي عمر رضي الله عنه عنها فمعناه : إذا لم يرض مالكها ، وأما قوله إنه نقص في الحيوان ، فهو نقص في الآدميات وزيادة في البهائم ، ولهذا المعنى فرقنا بين قبول الماخض في الزكاة ، وبين قبول الغرة في الحامل في دية الجنين ، فإذا صح أن قبول الماخض إذا تطوع بها جائز ، فليس للساعي أخذها من غير أن يتطوع رب المال بها ، ولرب المال أن يعدل عنها إذا لم يكن في ماله غيرها إلى سن أعلى ويأخذ ، أو إلى سن أسفل ويعطي ، وكذلك لو طرقها الفحل لم يلزمه دفعها كالماخض ، وكان له أن يعدل عنها إلى سن غيرها ، ولو دفع في الغرة أمة موطوءة لزم قبولها . فإن قيل : لم جعلتم طرق الفحل للجذعة كالحمل ، ولم تجعلوا وطء الأمة في الغرة كالحمل ؟

                                                                                                                                            قيل : الفرق بينهما من وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن ضراب البهائم غالبه العلوق ، فكان وجوده كوجود الحمل ، وليس الغالب من وطء الآدميات العلوق فلم يكن وجوده كوجود الحمل .

                                                                                                                                            والثاني : أن الحمل في الغرة نقص يمكن الولي استدراكه برده إذا ظهر ، والحمل في الجذعة زيادة لا يمكن رب المال استدراكها إذا ظهرت ، لاقتسام المساكين لها ، والله تعالى أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية