الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فأما إذا شهد على رؤيته عدل واحد فقد نص الشافعي في القديم والجديد على قبول شهادته ، وقال في البويطي : لا يقبل فيه إلا شاهدان ، فاختلف أصحابنا في ترتيب المسألة على مذهبين أحدهما : أن المسألة على قولين :

                                                                                                                                            أحد القولين : لا يقبل فيه أقل من شاهدين ، وهو قول مالك والليث بن سعد والأوزاعي ، ودليله قوله صلى الله عليه وسلم " فإن شهد ذوا عدل فصوموا " فعلق حكم الشهادة بعدلين فعلم أن حكم الواحد مخالف لحكمهما ، ولأنها شهادة على رؤية الهلال فوجب أن لا يقبل فيها أقل من عدلين قياسا على هلال شوال .

                                                                                                                                            والقول الثاني : يقبل فيه شاهد واحد وبه قال أبو حنيفة إذا كانت السماء مغيمة ، ودليل هذا القول رواية نافع عن ابن عمر أنه قال تراءى الناس الهلال فرأيته وحدي فأخبرت رسول [ ص: 413 ] الله صلى الله عليه وسلم بذلك فصام ، وأمر الناس بالصيام وروى عكرمة عن ابن عباس أن أعرابيا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال رأيت الهلال فقال : " أتشهد أن لا إله إلا الله ؟ " قال : نعم . قال : " أتشهد أن محمدا رسول الله " قال : نعم . قال : " قم يا بلال فأذن في الناس فليصوموا غدا " . وروي عن طاوس قال شهدت المدينة وبها ابن عمر وابن عباس ، فشهد رجل عند الوالي أنه رأى الهلال فبعث الوالي إليهما يسألهما فأمراه أن يجيز شهادتهما ، وأخبراه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالصوم بشهادة واحد ، وكان لا يقبل في الفطر إلا الاثنين وروت فاطمة بنت الحسين ، أن رجلا شهد عند علي رضوان الله عليه على رؤية الهلال فصام ، وأمر الناس بالصيام وقال : " لأن أصوم يوما من شعبان أحب إلي من أن أفطر يوما من رمضان " ولأنه حال يستوي فيه المخبر والمخبر فوجب أن يحكم فيه بقول الواحد .

                                                                                                                                            أصله : حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم والمذهب الثاني : في ترتيب هذه المسألة أن يقال : إن صحت هذه الأخبار ، وثبتت قبل شهادة الواحد قولا واحدا ؛ لأن من الناس من ضعفها ، ومنهم من أثبتها وإن لم تصح فعلى قولين :

                                                                                                                                            أحدهما : لا يقبل إلا شاهدان كسائر الأهلة .

                                                                                                                                            والثاني : يقبل شاهد واحد للاحتياط والأثر الثابت عن علي رضوان الله عليه فإذا قيل : بقبول شهادة الواحد لم يجز أن يقبل شاهد عبدا ، ولا امرأة ولا صبي لأنهم من غير أهل الشهادة ، وأجاز أبو حنيفة شهادة العبد والمرأة وأجراه مجرى الخبر ، وساعده عليه أبو إسحاق المروزي وليس بمذهب للشافعي بل منصوصه خلافه ، ولو جرى مجرى الخبر للزم فيه قبول الواحد عن الواحد ، ولم يقل بهذا أحد فعلم أنها شهادة ، فإن قيل : فإذا أمرتم بالصيام بشهادة واحد ثم أوجبتم الفطر بعد تمام الثلاثين ، فقد قضيتم في الفطر بشهادة الواحد قيل : في ذلك وجهان ذكرهما أبو إسحاق في شرحه :

                                                                                                                                            أحدهما : إذا لم ير الناس هلال شوال صاموا أحدا وثلاثين اعتبارا بهذا المعنى .

                                                                                                                                            [ ص: 414 ] والوجه الثاني : وهو منصوص الشافعي : أنه إذا صام الناس الثلاثين أفطروا في الحادي والثلاثين رأوا الهلال أو لم يروه ؛ لأنه إذا ثبت الابتداء لم يكن ما طرأ عليه مما لا يثبت به قادحا في إثباته ، كما تثبت الولادة بشهادة النساء منفردات ، وإن كان يتبعها أحكام النسب والميراث ، وما لا تقبل فيه شهادة النساء منفردات والله أعلم بالصواب .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية