الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ويتخذ إناءين : إناء يغرف به من الماء المجموع فيصب في الإناء الذي يلي الميت ، فما تطاير من غسل الميت إلى الإناء الذي يليه لم يصب الآخر " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا صحيح يختار اتخاذ إناءين : كبير بالبعد وصغير بالقرب ، وإناء يغترف به من الكبير ويصبه في الصغير ؛ حتى لا يفسد الماء بما يتطاير من غسله ، ووجه فساده : إما بكثرة ما يتطاير مما ينفصل من غسله حتى يصير مستعملا ، وإما لنجاسة تخرج منه تنجس ما انفصل عنه . وقال أبو القاسم الأنماطي وأبو العباس بن سريج : بل ذلك لنجاسة الميت . فذهبا إلى تنجيسه استدلالا بذلك من مذهبه ، ولأن ما انفصل من أعضائه في حال الحياة نجس لفقد الحياة ؛ فكذلك جملته بعد الوفاة .

                                                                                                                                            وذهب أبو إسحاق المروزي وسائر أصحابنا : إلى طهارة الميت كطهارة الحي ، وهو ظاهر نص الشافعي في كتاب الأم استدلالا بقوله تعالى : ولقد كرمنا بني آدم ، [ الإسراء : 70 ] ، فلما طهروا أحياء لأجل الكرامة ، وجب أن يخصوا بها أمواتا لأجل الكرامة ، قال صلى الله عليه وسلم : " لا تنجسوا موتاكم " . وقال صلى الله عليه وسلم : " المؤمن لا ينجس " وقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان بن مظعون بعد موته ودموعه تجري على خده . فلو كان نجسا لما قبله مع رطوبته ، ولأنه لو كان نجسا لما تعبدنا بغسله ؛ لأن غسل ما هو نجس العين يزيد تنجيسا ولا يفيده الغسل تطهيرا ، فأما ما انفصل من أعضائه في حال الحياة فقد كان الصيرفي يحكم بطهارته أيضا ، [ ص: 9 ] والصحيح أنه نجس ، ولا يصح اعتبار الميت به ؛ لضعفه عن حرمة الميت ، ألا ترى أنه لا يصلى عليه إذا انفصل من الحي ، ولو وجد للميت طرف منفصل صلي عليه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية