الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                      كشاف القناع عن متن الإقناع

                                                                                                                      البهوتي - منصور بن يونس البهوتي

                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                      وأجمعوا على وجوب التتابع ، ومعناه الموالاة بين صوم أي أيامهما ( حرا كان ) المكفر ( أو عبدا ) بغير خلاف نعلمه قاله في المبدع ( فلا يجوز أن يفطر فيهما ) أي في الشهرين ( ولا أن يصوم فيهما عن غير الكفارة ) لئلا يفوت التتابع ( ولا يجب نية التتابع ويكفي فعله ) أي التتابع ، لأنه شرط ، وشرائط [ ص: 384 ] العبادات لا تحتاج إلى نية وإنما تجب النية لأفعالها ( وكالمتابعة بين الركعات ) في الصلاة ، فإنها فرض ولا تعتبر نيتها ( وإن تخلل صومهما صوم ) شهر ( رمضان ) بأن يبتدئ الصوم من أول شعبان فيتخلله رمضان لم ينقطع التتابع ( أو ) تخلله ( فطر واجب كفطر العيدين وأيام التشريق ) بأن يبتدئ مثلا من ذي الحجة ، فيتخلل يوم النحر وأيام التشريق لم ينقطع التتابع ، لأنه زمن منعه الشرع عن صومه في الكفارة كالليل .

                                                                                                                      ( أو ) تخلله فطر ( كحيض أو نفاس ) أجمعوا عليه في الحيض وقيس عليه النفاس ( أو ) تخلله فطر ل ( جنون أو إغماء أو مرض ولو غير مخوف ) لم ينقطع التتابع ، لأنه أفطر بسبب لا صنع له فيه ، كالحيض ( أو ) تخلله فطر ( لسفر مبيحان ) أي المرض والسفر ( الفطر ) لم ينقطع التتابع كالمرض المخوف ( أو ) تخلله ( فطر الحامل والمرضع لخوفهما على أنفسهما أو ) خوفهما على ( ولديهما ) لم ينقطع التتابع ، لأنه فطر أبيح لعذر عن غير جهتها أشبه المرض ( أو ) تخلله فطر ( لإكراه أو نسيان أو لخطأ ) لحديث : { عفي لأمتي عن الخطإ والنسيان ، وما استكرهوا عليه } ( لا ) إن أفطر ( لجهل ) فلا يعذر به .

                                                                                                                      ومثال الفطر خطأ ( كمن أكل يظن أن الفجر لم يطلع ، وقد كان طلع أو أفطر يظن أن الشمس قد غابت ولم تغب ) لم ينقطع التتابع لما سبق ( أو وطئ غير المظاهر منها ليلا ولو عمدا ) قال في المبدع بغير خلاف نعلمه لأن ذلك غير محرم عليه ، ولا هو مخل بتتابع الصوم كالأكل ( أو ) وطئ غير المظاهر منها ( نهارا ناسيا للصوم أو لعذر يبيح الفطر ) لم ينقطع التتابع لأن الوطء لا أثر له في قطع التتابع ( أو ) وطئ غير المظاهر منها ( في أثناء الإطعام أو العتق أو أصاب المظاهر منها في أثناء الإطعام أو العتق لم ينقطع التتابع ) بذلك ، فيبنى على ما قدمه من العتق أو الإطعام ويتمه .

                                                                                                                      ( وإن أفطر يظن أنه قد أتم الشهرين فبان بخلافه ) انقطع التتابع ( أو ظن أن الواجب شهر واحد ) فأفطر ( أو ) أفطر ( ناسيا لوجوب التتابع أو أفطر لغير عذر ) انقطع التتابع لقطعه إياه ، ولا يعذر بالجهل كما تقدم ، ومثل ذلك لا يخفى ( أو صيام ) في أثناء الشهرين ( تطوعا أو قضاء ) عن رمضان ( أو ) صام ( عن نذر أو كفارة أخرى ) انقطع ، لأنه قطعه بشيء يمكنه التحرز منه أشبه ما لو أفطر من غير عذر ( أو أصاب المظاهر منها ليلا أو نهارا ولو ناسيا ، أو مع عذر يبيح الفطر ) كمرض وسفر ( انقطع ) التتابع لقوله تعالى : { فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا } .

                                                                                                                      فأمر بصيام شهرين خاليين عن وطء [ ص: 385 ] ولم يأت بهما كما أمر ، فلم يجزئه كما لو وطئها نهارا ناسيا ( ويقع صومه ) في أثناء الشهرين ( عما نواه ) من قضاء أو كفارة أو نذر ، لأنه زمن لم يتعين للكفارة ( وإن لمس المظاهر منها أو باشرها دون الفرج على وجه يفطر به ) بأن أنزل ( قطع التتابع ) لفساد صومه ( وإلا ) بأن لم يكن على وجه يفطر به ، بأن لم ينزل ( فلا ) يقطع التتابع لعدم فساد الصوم ( وحيث انقطع التتابع لزمه الاستئناف ) ليأتي بالشهر بالمتتابعين ( فإن كان عليه نذر صوم غير معين ) بأن نذر صوم شهر أو أيام مطلقة ( أخره إلى فراغه من الكفارة ) لاتساع وقته ( وإن كان ) النذر ( معينا ) كأن نذر صوم المحرم ( أخر الكفارة عنه أو قدمها عليه إن أمكن ) بأن اتسع لها الوقت ، لأنه أمكن الإتيان بكل من الواجبين فلزمه ( وإن كان ) النذر ( أياما من كل شهر كيوم الخميس ) ويوم الاثنين ( أو أيام البيض قدم الكفارة عليه ) لوجوبها بأصل الشرع ( وقضاه بعدها ) قلت لفوات المحل كما يأتي .

                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                      الخدمات العلمية