الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ومن زعم أن من أولياء الله من يخرج عن اتباعه وطاعته كما خرج الخضر عن اتباع موسى وطاعته فإنه كافر. فإن موسى لم يكن مبعوثا إلى الخضر بل كان نبيا إلى بني إسرائيل، ومحمد صلى الله عليه وسلم رسول الله إلى جميع العالمين عربهم وعجمهم، وجنهم وإنسهم. مع أن الذي فعله الخضر لم يكن خارجا عن الشريعة، بل كان له أسباب إذا علمها العبد تبين له أنه جائز في الشريعة، ولهذا لما بين الخضر تلك الأسباب لموسى علم موسى أن تلك الأفعال جائزة في الشريعة.

ومن زعم أن من [أهل] الصفة من خرج عن طاعة النبي صلى الله عليه وسلم أو قاتله أو سمع ما ألقي إليه ليلة المعراج; فهو ضال مفتر.

ولا يكون العبد مؤمنا حتى يكون كما قال الله تعالى: فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم [ ص: 462 ] حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما [النساء: 65].

وقد قال تعالى: وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم [الأحزاب: 36]، وقال تعالى: إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا [النور: 51].

وقال تعالى: وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما [النساء: 64]. وقال تعالى: قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم [آل عمران: 31]. ومثل هذا في القرآن كثير في نحو أربعين موضعا.

فالإسلام أصلان: شهادة أن لا إله إلا الله، وشهادة أن محمدا رسول الله. وإذا أقر بذلك فليعلم أن القرآن والسنن الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هي الحق وما خالفها باطل، فإن هذا نقل مصدق عن قائل معصوم، وما يخالف هذا من أقوال أو أفعال تحكى عن بعض المشايخ أو العلماء وغيرهم فقد يكون الناقل غير مصدق، وإن كان الناقل صادقا فالقائل غير معصوم في مخالفة الناقل المصدق عن القائل المعصوم.

فهذا القول يجب على المؤمن أن يعتصم به، ويزن جميع ما يرد عليه على هذا الأصل. فما يجده من التنازع في بعض المشايخ [ ص: 463 ] والعلماء والملوك أو غيرهم في حمده وذمه، فلا يخلو إما أن يكون المراد به معرفة حقيقة ذلك الرجل عند الله، فهذا لا حاجة بنا إلى معرفته، وقد لا يمكن معرفته. وإما أن يكون المراد حكم ما يذكر عنه من أقوال وفعال. فهذا كله معروض على الكتاب والسنة، فما وافقه فهو الحق، وإن كان ذلك القائل فاسقا أو زنديقا، وما خالفه فهو الباطل وإن كان ذلك القائل صالحا بل صديقا، كما كان معاذ بن جبل رضي الله عنه يقول في وصيته: « اقبلو الحق من كل من جاء به وإن كان كافرا واحذروا زيغة الحكيم» فقالوا: كيف نعرف أن الكافر يقول الحق؟ وأن الحكيم يزيغ؟ فقال: « إن على الحق نورا». يريد: أن الحق معه من البرهان ما يتبين أنه حق، فهذا مقبول من كل قائل.

وكثير من الناس يزن الأقوال بالرجال، فإذا اعتقد في الرجل أنه معظم قبل أقواله وإن كانت باطلة مخالفة للكتاب والسنة، بل لا يصغي حينئذ إلى من يرد ذلك القول بالكتاب والسنة. بل يجعل صاحبه كأنه [ ص: 464 ] معصوم.

التالي السابق


الخدمات العلمية