الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 130 ] وأما الرمح; فقال البخاري في « صحيحه»: ويذكر عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم: « جعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري».

رواه الإمام أحمد في « مسنده» عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله تبارك وتعالى وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم».

روى أبو داود بعضه.

وقد روى الطبراني في « معجمه» حديثا جامعا في أسماء آلاته عن [ ص: 131 ] ابن عباس قال: « كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم سيف قائمته فضة، وقبيعته من فضة، وكان يسمى: ذا الفقار، وكان له قوس يسمى: السداد، وكانت له كنانة تسمى: الجمع، وكانت له درع موشحة بالنحاس تسمى: ذات الفضول، وكانت له حربة تسمى: النبعاء، وكان له مجن يسمى: الدقن، وكان له ترس أبيض يسمى: الموجز، وكان له فرس أدهم يسمى: السكب، وكان له سرج يسمى: الراح، وكانت له بغلة شهباء يقال لها: دلدل، وكانت له ناقة تسمى: القصواء، وكان له حمار يسمى: يعفور، وكان له بساط يسمى: الكرد، وكانت له عنزة تسمى: النمر، وكانت له ركوة تسمى: الصادر، وكانت له مرآة تسمى: المرآة، وكان له مقراض يسمى: الجامع، وكان له قضيب شوحط يسمى: الموت». [ ص: 132 ]

وفي « صحيح البخاري» عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر وهو في قبة: « اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك، اللهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم».

فأخذ أبو بكر بيده، فقال: حسبك يا رسول الله، فقد ألححت على ربك، وهو في الدرع، فخرج وهو يقول: سيهزم الجمع ويولون الدبر بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر
[القمر: 45 - 46].

وروى أهل السنن: « أن النبي صلى الله عليه وسلم ظاهر يوم أحد بين درعين».

وفي « الصحيحين» عن سهل بن سعد: أنه سئل عن جرح النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد؟ فقال: جرح وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكسرت رباعيته، وهشمت البيضة على رأسه. فكانت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم تغسل الدم، وكان علي بن أبي طالب يسكب عليها بالمجن. فلما رأت فاطمة أن الماء لا يزيد الدم إلا كثرة أخذت قطعة حصير، فأحرقته حتى صار [ ص: 133 ] رمادا، ثم ألصقته بالجرح فاستمسك الدم». أخرجاه في « الصحيحين».

وعن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عام الفتح وعلى رأسه المغفر، فلما نزعه جاء رجل فقال: ابن خطل متعلق بأستار الكعبة، فقال: « اقتلوه». أخرجاه في « الصحيحين».

وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: كان أحب الثياب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم القميص. رواه أهل السنن، وقال الترمذي: « حديث حسن».

وروى أهل السنن أيضا عن أسماء بنت يزيد قالت: كان يد كم قميص رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرسغ. قال الترمذي: « حديث حسن».

وفي « الصحيحين» وغيرهما عن المسور بن مخرمة رضي الله عنه أنه قال: « قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبية، ولم يعط مخرمة شيئا. قال [ ص: 134 ] مخرمة: يا بني انطلق بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلقت معه. قال: ادخل فادعه لي. قال: فدعوته، فخرج إليه وعليه قباء منها. فقال: « خبأت هذا لك». قال: فنظر إليه. قال: رضي مخرمة».

وذكر الإزار والرداء له في أحاديث كثيرة مشهورة. وكذلك ذكر القميص.

مثل ما في « الصحيحين» عن جابر بن عبد الله قال: « أتى النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أبي بعدما أدخل قبره، فأمر به فأخرج ووضع على ركبتيه، ونفث عليه من ريقه، وألبسه قميصه»، والله أعلم.

وفيهما عن عبد الله بن عمر قال: لما توفي عبد الله بن أبي جاء ابنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أعطني قميصك أكفنه فيه، وصل عليه واستغفر له. فأعطاه قميصه، وقال: « إذا فرغت فآذنا» فلما فرغ آذنه به، فجاء ليصلي عليه. فجذبه عمر فقال: أليس قد نهاك الله أن تصلي على المنافقين؟ فقال: استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم [التوبة: 80]، فنزلت: ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره [التوبة: 84]، فترك الصلاة عليهم. [ ص: 135 ]

وأما الجبة الضيقة الكمين; ففي « الصحيحين» عن المغيرة بن شعبة قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة في سفر. فقال: « أمعك ماء؟» قلت: نعم. فنزل عن راحلته فمشى حتى توارى عني في سواد الليل. ثم جاء، فأفرغت عليه الإداوة، فغسل وجهه ويديه وعليه جبة من صوف، فلم يستطع أن يخرج ذراعيه منها -وفي رواية: جبة شامية، فذهب يخرج يديه من كميه فكانا ضيقين- فأخرج يديه من أسفل الجبة، فغسل ذراعيه ثم مسح برأسه، ثم أهويت لأنزع خفيه. فقال: « دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين»، فمسح عليهما.

وأما الفروج; ففي « الصحيحين» عن عقبة بن عامر أنه قال: أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فروج حرير، فلبسه ثم صلى فيه، ثم انصرف، فنزعه نزعا شديدا كالكاره له، ثم قال: « لا ينبغي هذا للمتقين». وإنما نزعه لكونه حريرا.

قال البخاري: الفروج هو القباء، ويقال: هو الذي له شق من خلفه.

وأما السراويل وغيره; ففي « الصحيحين» عن ابن عمر قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يلبس المحرم من الثياب؟ فقال: « لا يلبس القميص، [ ص: 136 ] ولا العمائم، ولا البرانس، ولا السراويلات، ولا الخفاف».

وفي « سنن أبي داود»: أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى رجل سراويل وهناك وزان يزن بالأجر، فقال: « زن وأرجح، فإن خير الناس أحسنهم قضاء». وفي لفظ: « أنه اشترى سراويل».

وقد قال العلماء: الأفضل أن يلبس مع القميص السراويل، ومع الرداء الذي يكون على المنكبين يلبس الإزار; لأن السراويل تبدي حجم الأعضاء، والقميص يستر ذلك، ولا يستره الرداء.

التالي السابق


الخدمات العلمية