الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وإذا أراد المسلم أن يتدبر ذلك، فلينظر كيف شهرة عمر بن عبد العزيز، والسلطان نور الدين الشهيد، وغير هؤلاء من ولاة الأمور، أهل الصدق والعدل، والهدى والرشاد.

ولينظر كيف شهرة قوم آخرين، أقدمهم الحجاج بن يوسف الثقفي، وأمثاله من أهل الظلم والعدوان، الذين لهم سمعة سوء في محياهم ومماتهم; ما بين ذاكر لمساويهم، وما بين داع عليهم، وما بين مبغض لهم. وأولئك لهم الدعاء والثناء، وهم في الآخرة في في مقعد صدق عند مليك مقتدر [القمر: 55]. [ ص: 229 ]

وقد روى الإمام أحمد في « مسنده» عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: « أحب الخلق إلى الله إمام عادل، وأبغض الخلق إلى الله إمام ظالم».

وقد روي: « يوم من إمام عادل أفضل من عبادة ستين أو سبعين سنة».

وفي « الصحيحين» عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: « سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه، ورجلان تحابا في الله اجتمعا على ذلك وتفرقا عليه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله رب العالمين، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه».

وكان عمر بن عبد العزيز يقول عن ذي السلطان: هو كالسوق فما نفق فيه جلب إليه. فإذا نفق عنده الصدق والبر والعدل وطاعة الله [ ص: 230 ] ورسوله جلب إليه ذلك. وإن نفق فيه ضد ذلك، جلب إليه ضد ذلك.

والله -سبحانه- قد جعل قيام أمر الملة والدولة بالمصحف والسيف، فقال في كتابه: لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز [الحديد: 25]. فجعل سبحانه المقصود بإرسال الرسل وإنزال الكتب هو أن يقوم الناس بالقسط، وجعل قيام ذلك بكتاب يهدي وسيف ينصر، وكفى بربك هاديا ونصيرا.

ولهذا روي عن جابر بن عبد الله قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نضرب بهذا -يعني السيف- من خرج عن هذا -يعني المصحف-. [ ص: 231 ]

وكان بعض الملوك العادلين يضع المصحف، ويضع « سنن أبي داود»، ويضع السيف، ثم يقول: هذا كتاب الله وهذه سنة رسوله، وهذا سيف الله. فمن خرج عن كتاب الله وسنة رسول الله ضربناه بسيف الله.

التالي السابق


الخدمات العلمية