الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر ملك صدقة بن مزيد تكريت

في هذه السنة ، في صفر ، تسلم الأمير سيف الدولة صدقة بن منصور بن مزيد قلعة تكريت ، وقد ذكرنا فيما تقدم أنها كانت لبني مقن العقيليين ، وكانت إلى آخر سنة [ ص: 533 ] سبع وعشرين وأربعمائة بيد رافع بن الحسين بن مقن ، فمات ، ووليها ابن أخيه أبو منعة خميس بن تغلب بن حماد ، ووجد بها خمسمائة ألف دينار سوى المصاغ ، وتوفي سنة خمس وثلاثين وأربعمائة ، ووليها ولده أبو غشام .

فلما كان سنة أربع وأربعين وأربعمائة وثب عليه عيسى فحبسه ، وملك القلعة والأموال ، فلما اجتاز به طغرلبك سنة ثمان وأربعين وأربعمائة صالحه على بعض المال فرحل عنه .

وخافت زوجته أميرة ، بعد موته أن يعود أبو غشام ، فيملك القلعة ، فقتلته ، وكان قد بقي في الحبس أربع سنين ، واستنابت في القلعة أبا الغنائم بن المحلبان ، فسلمها إلى أصحاب السلطان طغرلبك ، فسارت إلى الموصل ، فقتلها ابن أبي غشام بأبيه ، وأخذ شرف الدولة مسلم بن قريش مالها ، ورد طغرلبك أمر القلعة إلى إنسان يعرف بأبي العباس الرازي ، فمات بها بعد ستة أشهر ، فملكها المهرباط ، وهو أبو جعفر محمد بن أحمد بن خشنام من بلد الثغر ، فأقام بها إحدى وعشرين سنة ومات ، ووليها ابنه سنتين ، وأخذتها منه تركان خاتون ، ووليها لها كوهرائين .

ثم ملكها بعد وفاة ملكشاه قسيم الدولة آقسنقر ، صاحب حلب ، فلما قتل صارت للأمير كمشتكين الجاندار ، فجعل فيها رجلا يعرف بأبي المصارع ، ثم عادت إلى كوهرائين إقطاعا ، ثم أخذها منه مجد الملك البلاساني ، فولى فيها كيقباذ بن هزارسب الديلمي ، فأقام بها اثنتي عشرة سنة ، فظلم أهلها ، وأساء السيرة ، فلما اجتاز به سقمان بن أرتق سنة ست وتسعين وأربعمائة ونهبها ، كان كيقباذ ينهبها ليلا ، وسقمان ينهبها نهارا .

فلما استقر السلطان محمد بعد موت أخيه بركيارق أقطعها للأمير آقسنقر البرسقي ، شحنة بغداذ ، فسار إليها وحصرها مدة تزيد على سبعة أشهر ، حتى ضاق على كيقباذ الأمر ، فراسل صدقة بن مزيد ليسلمها إليه ، فسار إليها في صفر هذه السنة وتسلمها منه ، وانحدر البرسقي ولم يملكها .

ومات كيقباذ بعد نزوله من القلعة بثمانية أيام ، وكان عمره ستين سنة ، واستناب صدقة بها ورام بن أبي فراس بن ورام ، وكان كيقباذ ينسب إلى الباطنية ، وكان موته من سعادة صدقة ، فإنه لو أقام عنده لعرض صدقة لظنون الناس في اعتقاده ومذهبه .

التالي السابق


الخدمات العلمية