الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر حصار قابس والمهدية

في هذه السنة جهز علي بن يحيى ، صاحب إفريقية ، أسطولا في البحر إلى مدينة قابس ، وحصرها .

وسبب ذلك أن صاحبها رافع بن مكن الدهماني أنشأ مركبا بساحلها ليحمل التجار في البحر ، وكان ذلك آخر أيام الأمير يحيى ، فلم ينكر يحيى ذلك جريا على عادته في المداراة ، فلما ولي علي الأمر ، بعد أبيه ، أنف من ذلك وقال : لا يكون لأحد من أهل إفريقية أن يناوئني في إجراء المراكب في البحر بالتجار ، فلما خاف رافع أن يمنعه علي التجأ إلى اللعين رجار ملك الفرنج بصقلية ، واعتضد به ، فوعده رجار أن ينصره ويعينه على إجراء مركبه في البحر ، وأنفذ في الحال أسطولا إلى قابس ، فاجتازوا بالمهدية ، فحينئذ تحقق علي اتفاقهما ، وكان يكذبه .

فلما جاز أسطول رجار بالمهدية أخرج علي أسطوله في أثره ، فتوافى الجميع إلى قابس ، فلما رأى صاحبها أسطول الفرنج والمسلمين لم يخرج مركبه ، فعاد أسطول الفرنج ، وبقي أسطول علي يحصر رافعا بقابس مضيقا عليها .

ثم عادوا إلى المهدية ، وتمادى رافع في المخالفة لعلي ، وجمع قبائل العرب ، وسار بهم ، حتى نزل على المهدية محاصرا لها وخادع عليا ، وقال : إنني إنما جئت للدخول في الطاعة ، وطلب من يسعى في الصلح ، وأفعاله تكذب أقواله ، فلم يجبه عن ذلك بحرف ، وأخرج العساكر ، وحملوا على رافع ومن معه حملة منكرة ، فألحقوهم بالبيوت ، ووصل العسكر إلى البيوت ، فلما رأى ذلك النساء صحن ، وولولن ، فغارت العرب ، وعاودت القتال واشتد حينئذ الأمر إلى المغرب ، ثم افترقوا ، وقد قتل من عسكر رافع بشر كثير ، ولم يقتل من جند علي غير رجل واحد من الرجالة .

ثم خرج عسكر علي مرة أخرى ، فاقتتلوا أشد من القتال الأول ، كان الظهور فيه [ ص: 623 ] لعسكر علي ، فلما رأى رافع أنه لا طاقة له بهم رحل عن المهدية ليلا إلى القيروان ، فمنعه أهلها من دخولها ، فقاتلهم أياما قلائل ، ثم دخلها ، فأرسل علي إليه عسكرا من المهدية ، فحصروه فيها إلى أن خرج عنها ، وعاد إلى قابس ، ثم إن جماعة من أعيان إفريقية ، من العرب وغيرهم ، سألوا عليا في الصلح ، فامتنع ، ثم أجاب إلى ذلك ، وتعاهد عليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية