الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
والمقصود أن الأمور التي يتصف بها كل واحد من الأفراد ثلاثة أنواع:

أحدها: ما لا يمكن تصوره في المجموع، فلا يقال: هو ثابت ولا منتف.

والثاني: ما يمكن تصوره في المجموع، وهذا قد يكون ثابتا كثبوت الافتقار إلى الفاعل في مجموع الممكنات والحادثات، وثبوت الحل في كل من الأجنبيات منفردة، وفي جمع أربع. وقد لا يكون ثابتا كثبوت النهاية في أفراد الحوادث المنقضية لا في مجموعها، وثبوت الحل في كل من الأختين لا في مجموعهما.

والفرق بين هذا وهذا أن الحكم الذي ثبت للأفراد، إن كان للمعنى الذي يوجد في المجموع ثبت له، وإن لم يكن لذلك المعنى لم يلزم ثبوته له، فكون المحدث ممكنا أو مفتقرا إلى الفاعل ثبت لحقيقة الحدوث، وهذا ثابت للأفراد والمجموع. وكذلك افتقار الممكن إلى ما ليس بممكن ثبت [ ص: 146 ] لحقيقة الإمكان، فإن حقيقة الممكن هو الذي لا يوجد إلا بغيره لا بنفسه، وهذه الحقيقة لا تفرق بين الأفراد وبين المجموع.

وأما كون الحادث له أول، أو الماضي له انتهاء، فهذا يعلم في كل حادث حادث، وماض ماض. وأما كون هذا الجنس كذلك، فالطبيعة تلزم كل واحد واحد، وليس في الخارج مجموع ثابت للحوادث والماضيات، حتى يقال: هل يحكم لذلك المجموع بحكم أفراده أم لا؟ فإن أفراده موجودة على التعاقب، وإذا قدر حوادث متعاقبة، لم يكن في العلم بهذا ما يوجب أن لا تكون دائمة.

لكن إذا قدر اجتماع حوادث في آن واحد، أو كانت محدودة. قيل: إن هذا المجموع له ابتداء. وإذا قدر اجتماع أمور منقضية أو محدودة الآخر. قيل: لها انتهاء.

وأما ما لا يمكن اجتماعه لا من هذا ولا من هذا، فليس وجوده مجتمعا في الخارج، وإنما يجتمع أفراده في الذهن لا في الخارج.

يبين ذلك أن ما لا يوجد إلا متعاقبا متتاليا، إذا قيل: إن كل واحد من أفراده يعقب فردا آخر، لم يعلم من ذلك أنه كله يعقب شيئا آخر؛ إذ لم يحكم على جنسه بأنه يعقب غير جنسه، وإنما حكمنا على أفراد الجنس بالتعاقب.

وكذلك إذا قلنا: كل واحد من أفراده سبقه عدم، لم يحكم على الجنس بأنه سبقه عدم، كما حكمنا هناك على جنس المحدث بافتقاره إلى الفاعل، وعلى جنس الممكن بافتقاره إلى ما ليس بممكن، أو إلى الفاعل أو الواجب ونحو ذلك. والكلام على هذا مبسوط في موضعه. [ ص: 147 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية