الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأيضا فيقال له: العالم بما يريد أن يفعل إذا فعله علم أنه سيكون، ثم علم أن قد كان، لم يخرج بذلك عن أن يكون العلم القديم شرطا في وجود المعلوم، وهو من تمام علة وجوده، إذا كانت نفسه مستلزمة لعلمه بالموجود بشرط فعله لها، كما في سمعه وبصره، لم يكن شيء من أحواله معلولا لغيره.

فقوله: يلزم أن يكون العلم القديم معلولا للوجود لا علة له -ليس بلازم.

وأما ما ذكره من نفي التغير، فهو قد طعن في دليل المتكلمين على نفيه، ولم يذكر هو دليلا على نفيه، فبقي نفيه له بلا حجة أصلا، إلا قوله: يلزم أن يكون العلم القديم معلولا للوجود لا علة له، وليس هذا بصحيح، فإنه بتقدير تجدد علم ثان، لا يخرج العلم الذي به كان الفاعل فاعلا عن أن يكون علة.

وأيضا فعلم الله لازم لذاته، وهو الذي فعل الموجودات. فإذا قيل [ ص: 393 ] إن ذاته أوجبت له هذا العلم، بشرط فعله ما فعل، لم يكن ذلك موجبا لافتقاره في العلم إلى غيره.

وقوله: إنما أتى هذا من قياس الغائب على الشاهد.

فيقال: جميع ما تذكره أنت وأصحابك والمتكلمون في هذا الباب، لا بد فيه من مقدمة كلية تتناول الغائب والشاهد، ولولا ما يوجد في الشاهد من ذلك، لما تصور من الغائب شيء أصلا، فضلا عن معرفة حكمه، فإن أبطلت هذا بطل جميع كلامكم.

وأما قوله: كما لا يحدث في الفاعل تغير عند وجود مفعول له، كذلك في العلم عند حدوث مفعوله.

فيقال له: أنت قد أبطلت دليل المتكلمين على هذا الأصل الذي قاسوا عليه، ولم تذكر لك عليه دليلا، فإن أولئك بنوه على أن ما لا يسبق الحوادث حادث، وهذا ثبت بطلانه، فيجوز عندك أن تقوم الحوادث بالقديم، وإذا كان كذلك، لم يمتنع عندك أن يتجدد للفاعل القديم عند فعله حال من الأحوال، بل أنت قد بينت في غير موضع أنه لا يعقل صدور الحوادث عن المحدث بدون هذا.

وأما قوله: لا يلزمنا إذا لم يحدث هناك تغير أن لا يعلم الموجود في حين حدوثه على ما هو عليه.

فيقال: هذا لك ألزم منه للمتكلمين؛ لأنك ألزمتهم أن العلم بأن ما سيكون قد كان، ومعلوم أن العلم بما نريد أن نفعل، ليس هو العلم بأن سيكون، ولا بأن قد كان. [ ص: 394 ]

فإن نفيت علمه بأن ستكون الموجودات قبل وجودها، وعلمه بأن قد كانت بعد وجودها -كان هذا أعظم عليك. وإن جعلت ذلك هو نفس علمه بما يريد فعله، كان جعلهم العلم بالشيء قبل كونه واحدا أقرب إلى العقل.

وأما قوله: حدوث التغير في العلم عندما يتغير الموجود، هو شرط في العلم المعلول عن الموجود، وهو المحدث.

فيقال له: هذا ضعيف لوجهين:

أحدهما: أن ما ذكرته من الدليل لا يفرق.

الثاني: أنه يلزم علم العبد بما يريد أن يفعله، فإنه متقدم على المعلوم به الموجود، وهو متغير، فليس هو معلولا عن الموجود، فتبين أن كونه سببا في الوجود أو تابعا له، لا يمنع ما ذكر من التغير.

وعلم الرب تبارك وتعالى لا يجوز أن يكون مستفادا من شيء من الموجودات، فإن علمه من لوازم ذاته، فعلم العبد يفتقر إلى سبب يحدثه، وإلى المعلوم، الذي هو الرب تعالى، أو بعض مخلوقاته، وعلم الرب لازم له، من جهة أن نفسه مستلزمة للعلم، والمعلوم: إما نفسه المقدسة، وإما معلوماته التي علمها قبل خلقها.

وهذه المسألة: مسألة تعلق صفاته بالمخلوقات بعد وجودها، تعلق العلم والسمع والبصر ونحو ذلك، هي مسألة كبيرة.

التالي السابق


الخدمات العلمية