الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                            صفحة جزء
                                                                                            15525 - وعن الضحاك بن مزاحم الهلالي قال : خرج نافع بن الأزرق ، ونجدة بن عويمر ، في نفر من رءوس الخوارج ينقرون عن العلم ويطلبونه ، حتى قدموا مكة ، فإذا هم بعبد الله بن عباس قاعدا قريبا من زمزم ، وعليه رداء له أحمر وقميص ، فإذا ناس قيام يسألونه عن التفسير ، يقولون : يا أبا عباس ، ما تقول في كذا وكذا ؟ فيقول : هو كذا وكذا . فقال له نافع : ما أجرأك يا ابن عباس على ما تخبر به منذ اليوم ! فقال له ابن عباس : ثكلتك أمك وعدمتك ، ألا أخبرك من هو أجرأ مني ؟ قال : من هو يا ابن عباس ؟ قال : رجل تكلم بما ليس له به علم ، أو رجل كتم علما عنده . قال : صدقت يا ابن عباس ، إني أتيتك لأسألك . قال : هات يا ابن الأزرق فسل . قال : أخبرني عن قول الله - عز وجل - : يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس . ما الشواظ ؟ قال : اللهب الذي لا دخان فيه . قال : وهل كانت العرب تعرف ذلك قبل أن ينزل الكتاب على محمد - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال : نعم ، أما سمعت قول أمية بن أبي الصلت :

                                                                                            ألا من مبلغ حسان عني مغلغلة تذب إلى عكاظ     أليس أبوك قينا كان فينا
                                                                                            إلى القينات فسلا في الحفاظ     يمانيا يظل يشب كيرا
                                                                                            وينفخ دائبا لهب الشواظ

                                                                                            .

                                                                                            قال : صدقت . فأخبرني عن قوله : ونحاس فلا تنتصران . قال : الدخان الذي لا لهب فيه . قال : وهل كانت العرب تعرف ذلك قبل أن ينزل الكتاب على محمد - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال : نعم ، أما سمعت نابغة بني ذبيان يقول :

                                                                                            يضيء كضوء سراج السليط     لم يجعل الله فيه نحاسا

                                                                                            .

                                                                                            يعني دخانا . قال : صدقت . فأخبرني عن قول الله : أمشاج نبتليه . قال : ماء الرجل وماء المرأة ، إذا اجتمعا في الرحم كان مشيجا . قال : وهل كانت العرب تعرف ذلك [ ص: 279 ] قبل أن ينزل الكتاب على محمد - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال : نعم ، أما سمعت قول أبي ذؤيب الهذلي وهو يقول :

                                                                                            كأن النصل والقوقين منه     خلال الريش سيط به مشيج

                                                                                            قال : صدقت . فأخبرني عن قول الله تعالى : والتفت الساق بالساق . ما الساق بالساق ؟ قال : الحرب . قال : وهل كانت العرب تعرف ذلك قبل أن ينزل الكتاب على محمد - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال : نعم ، أما سمعت قول أبي ذؤيب :

                                                                                            أخو الحرب إن عضت به الحرب عضها     وإن شمرت عن ساقها الحرب شمرا

                                                                                            .

                                                                                            قال : صدقت . فأخبرني عن قول الله - عز وجل - : بنين وحفدة . ما البنين والحفدة ؟ قال : أما بنوك فإنهم يتعاطونك ، وأما حفدتك فإنهم خدمك . قال : وهل كانت العرب تعرف ذلك قبل أن ينزل الكتاب على محمد - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال : نعم ، أما سمعت قول أمية بن أبي الصلت :

                                                                                            حفد الولائد حولهن وألقيت     بأكفهن أزمة الأحمال

                                                                                            .

                                                                                            قال : صدقت . فأخبرني عن قول الله - عز وجل - : إنما أنت من المسحرين [من المسحرون] ؟ قال : من المخلوقين . قال : وهل كانت العرب تعرف ذلك قبل أن ينزل الكتاب على محمد - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال : نعم ، أما سمعت قول أمية بن أبي الصلت الثقفي وهو يقول :

                                                                                            فإن تسألينا مم نحن فإننا     عصافير من هذا الأنام المسحر

                                                                                            . قال : صدقت . فأخبرني عن قول الله - عز وجل - : فنبذناهم في اليم وهو مليم . ما المليم ؟ قال : المذنب . قال : وهل كانت العرب تعرف ذلك قبل أن ينزل الكتاب على محمد - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال : نعم ، أما سمعت قول أمية بن أبي الصلت وهو يقول :

                                                                                            بعيد من الآفات لست لها بأهل     ولكن المسيء هو المليم

                                                                                            .

                                                                                            قال : صدقت . فأخبرني عن قول الله - عز وجل - : قل أعوذ برب الفلق ، ما الفلق ؟ قال : هو الصبح قال : وهل كانت العرب تعرف ذلك قبل أن ينزل الكتاب على محمد - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال : نعم ، أما سمعت قول لبيد بن ربيعة وهو يقول :

                                                                                            الفارج الهم مبذول عساكره     ما يفرج ضوء الظلمة الفلق

                                                                                            قال : صدقت . فأخبرني عن قول الله - عز وجل - : [ ص: 280 ] لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم . ما الأساة ؟ قال : لا تحزنوا . قال : وهل كانت العرب تعرف ذلك قبل أن ينزل الكتاب على محمد - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال : نعم ، أما سمعت قول لبيد بن ربيعة :

                                                                                            قليل الأسى فيما أتى الدهر دونه     كريم الثنا حلو الشمائل معجب

                                                                                            .

                                                                                            قال : صدقت . فأخبرني عن قول الله - عز وجل - : إنه ظن أن لن يحور . ما يحور ؟ قال : يرجع . قال : هل كانت العرب تعرف ذلك قبل أن ينزل الكتاب على محمد - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال : نعم ، أما سمعت قول لبيد بن ربيعة :

                                                                                            وما المرء إلا كشهاب وضوئه     يحور رمادا بعد إذ هو ساطع

                                                                                            .

                                                                                            قال : صدقت . فأخبرني عن قول الله - عز وجل - : يطوفون بينها وبين حميم آن . ما الآن ؟ قال : الذي انتهى حره قال : وهل كانت العرب تعرف ذلك قبل أن ينزل الكتاب على محمد - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال : نعم ، أما سمعت قول نابغة بني ذبيان :

                                                                                            فإن يقبض عليك أبو قبيس     تحط بك المنية في هوان
                                                                                            وتخضب لحية غدرت وخانت     بأحمر من نجيع الجوف آن

                                                                                            .

                                                                                            قال : صدقت . فأخبرني عن قول الله - عز وجل - : فأصبحت كالصريم . ما الصريم ؟ قال : الليل المظلم . قال : وهل كانت العرب تعرف ذلك قبل أن ينزل الكتاب على محمد - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال : نعم ، أما سمعت قول نابغة بني ذبيان :

                                                                                            لا تزجروا مكفهرا لا كفاء له     كالليل يخلط أصراما بأصرام

                                                                                            قال : صدقت . فأخبرني عن قول الله - عز وجل - : إلى غسق الليل . ما غسق الليل ؟ قال : إذا أظلم . قال : وهل كانت العرب تعرف ذلك قبل أن ينزل الكتاب على محمد - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال : نعم ، أما سمعت بقول النابغة :

                                                                                            كأنما جد ما قالوا وما وعدوا     آل تضمنه من دامس غسق

                                                                                            قال أبو خليفة : الآل : الشراب . قال : صدقت . فأخبرني عن قول الله - عز وجل - : وكان الله على كل شيء مقيتا . ما المقيت ؟ قال : قادر . قال : وهل كانت العرب تعرف ذلك قبل أن ينزل الكتاب على محمد - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال : نعم ، أما سمعت بقول النابغة :

                                                                                            وذي ضغن كففت الضغن عنه     وإني في مساءته مقيت

                                                                                            .

                                                                                            قال : صدقت . فأخبرني عن قول الله - عز وجل - : والليل إذا عسعس ؟ قال : إقبال [ ص: 281 ] سواده . قال : وهل كانت العرب تعرف ذلك قبل أن ينزل الكتاب على محمد - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال : نعم ، أما سمعت قول امرئ القيس :

                                                                                            عسعس حتى لو يشاء أدنى     كأن له من ضوء نوره قبس

                                                                                            .

                                                                                            قال : صدقت . فأخبرني عن قول الله - عز وجل - : وأنا به زعيم . قال : الزعيم الكفيل . قال : وهل كانت العرب تعرف ذلك قبل أن ينزل الكتاب على محمد - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال : نعم ، أما سمعت قول امرئ القيس :

                                                                                            وإني زعيم إن رجعت مملكا     بسير ترى منه الغرانق أزورا

                                                                                            .

                                                                                            قال : صدقت . فأخبرني عن قول الله - عز وجل - : وفومها . ما الفوم ؟ قال : الحنطة . قال : وهل كانت العرب تعرف ذلك قبل أن ينزل الكتاب على محمد - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال : نعم ، أما سمعت قول أبي ذؤيب الهذلي .

                                                                                            :

                                                                                            قد كنت أحسبني كأغنى وافد     قدم المدينة عن زراعة فوم

                                                                                            .

                                                                                            قال : صدقت . فأخبرني عن قول الله - عز وجل - : والأزلام . ما الأزلام ؟ قال : القداح . قال : وهل كانت العرب تعرف ذلك قبل أن ينزل الكتاب على محمد - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال : نعم ، أما سمعت قول الحطيئة :

                                                                                            لا يزجر الطير إن مرت به سنحا     ولا يقام له قدح بأزلام

                                                                                            .

                                                                                            قال : صدقت . فأخبرني عن قوله تعالى : وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة ؟ قال : أصحاب الشمال . قال : وهل كانت العرب تعرف ذلك قبل أن ينزل الكتاب على محمد - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال : نعم ، أما سمعت زهير بن أبي سلمى حيث يقول :

                                                                                            نزل الشيب بالشمال قريبا     والمرورات دانيا وحقيرا

                                                                                            قال : صدقت . فأخبرني عن قول الله - عز وجل - : وإذا البحار سجرت ؟ قال : اختلط ماؤها بماء الأرض . قال : وهل كانت العرب تعرف ذلك قبل أن ينزل الكتاب على محمد - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال : نعم ، أما سمعت قول زهير بن أبي سلمى :

                                                                                            لقد عرفت ربيعة في جذام     وكعب خالها وابنا ضرار
                                                                                            لقد نازعتم حسبا قديما     وقد سجرت بحارهم بحارى

                                                                                            .

                                                                                            قال : صدقت . فأخبرني عن قول الله - عز وجل - : والسماء ذات الحبك . ما الحبك ؟ قال : [ ص: 282 ] الطرائق . قال : وهل كانت العرب تعرف ذلك قبل أن ينزل الكتاب على محمد - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال : نعم ، أما سمعت قول زهير بن أبي سلمى :

                                                                                            مكلل بأصول النجم تنسجه     ريح الشمال لضاح ما به حبك

                                                                                            قال : صدقت . فأخبرني عن قول الله - عز وجل - : وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ؟ قال : ارتفعت عظمة ربنا . قال : وهل كانت العرب تعرف ذلك قبل أن ينزل الكتاب على محمد - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال : نعم ، أما سمعت قول طرفة بن العبد للنعمان بن المنذر :

                                                                                            إلى ملك يضرب الدارعين     لم ينقص الشيب منه قبالا
                                                                                            أيرفع جدك أني امرؤ     سقتني الأعادي سجالا سجالا

                                                                                            .

                                                                                            قال : صدقت . فأخبرني عن قول الله - عز وجل - : حتى تكون حرضا ؟ قال : الحرض : البالي . قال : وهل كانت العرب تعرف ذلك قبل أن ينزل الكتاب على محمد - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال : نعم ، أما سمعت قول طرفة بن العبد :

                                                                                            أمن ذكر ليلى إن نأت غربة بها     أعد حريضا للكرى محرما

                                                                                            .

                                                                                            قال : صدقت . فأخبرني عن قول الله - عز وجل - : وأنتم سامدون ؟ قال : لاهون . قال : وهل كانت العرب تعرف ذلك قبل أن ينزل الكتاب على محمد - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال : نعم ، أما سمعت قول هزيلة بنت بكر وهي تبكي عادا :

                                                                                            نعيت عادا لصما     وأتى سعد شريدا
                                                                                            قيل قم فانظر إليهم     ثم دع عنك السمودا

                                                                                            .

                                                                                            قال : صدقت . فأخبرني عن قول الله - عز وجل - : إذا اتسق . ما اتساقه ؟ قال : إذا اجتمع قال : فهل كانت العرب تعرف ذلك قبل أن ينزل الكتاب على محمد - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال : نعم ، أما سمعت قول أبي صرمة الأنصاري :

                                                                                            إن لنا قلائصا نفائقا     مستوسقات لو تجدن سائقا

                                                                                            .

                                                                                            قال : صدقت . فأخبرني عن قول الله - عز وجل - : الأحد الصمد ، أما الأحد فقد عرفناه ، فما الصمد ؟ قال : الذي يصمد إليه في الأمور كلها . قال : فهل كانت العرب تعرف ذلك قبل أن ينزل الكتاب على محمد - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال : نعم ، أما سمعت بقول الأسدية :

                                                                                            ألا بكر الناعي بخبر بني أسد     بعمرو بن مسعود وبالسيد الصمد

                                                                                            [ ص: 283 ] قال : صدقت . فأخبرني عن قوله تعالى : يلق أثاما . ما الأثام ؟ قال : الجزاء . قال : وهل كانت العرب تعرف ذلك قبل أن ينزل الكتاب على محمد - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال : نعم ، أما سمعت قول بشر بن أبي حازم الأسدي :

                                                                                            وإن مقامنا يدعو عليهم     بأبطح ذي المجاز له أثام

                                                                                            قال : صدقت . فأخبرني عن قول الله - عز وجل - : وهو كظيم ؟ قال : الساكت قال : وهل كانت العرب تعرف ذلك قبل أن ينزل الكتاب على محمد - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال : نعم ، أما سمعت قول زهير بن خزيمة العبسي :

                                                                                            فإن تك كاظما بمصاب شاس     فإني اليوم منطلق اللسان

                                                                                            قال : صدقت . فأخبرني عن قول الله - عز وجل - : أو تسمع لهم ركزا . ما ركزا ؟ قال : صوتا . قال : وهل كانت العرب تعرف ذلك قبل أن ينزل الكتاب على محمد - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال : نعم ، أما سمعت قول خراش بن زهير : فإن سمعتم بخيل هابط شرفا     أو بطن قف فأخفوا الركز واكتتموا
                                                                                            .

                                                                                            قال : صدقت . فأخبرني عن قول الله - عز وجل - : إذ تحسونهم بإذنه ؟ قال : إذ تقتلونهم بإذنه . قال : وهل كانت العرب تعرف ذلك قبل أن ينزل الكتاب على محمد - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال : نعم ، أما سمعت قول عتبة الليثي :

                                                                                            نحسهم بالبيض حتى كأنما     نفلق منهم بالجماجم حنظلا

                                                                                            قال : صدقت . فأخبرني عن قول الله - عز وجل - : يا أيها النبي إذا طلقتم النساء . هل كان الطلاق يعرف في الجاهلية ؟ قال : نعم ، طلاقا بائنا ثلاثا ، أما سمعت قول أعشى بن قيس بن ثعلبة حين أخذه أختانه غيرة ، فقالوا : إنك قد أضررت بصاحبتنا ، وإنا نقسم بالله أن لا نضع العصا عنك أو تطلقها ، فلما رأى الجد منهم وأنهم فاعلون به شرا قال :

                                                                                            أجارتنا بيني فإنك طالقه     كذاك أمور الناس غاد وطارقه

                                                                                            فقالوا : والله لتبيتن لها الطلاق ، أو لا نضع العصا عنك ، فقال :

                                                                                            فبيني حصان الفرج غير دميمة     وماموقة منا كما أنت وامقه

                                                                                            فقالوا : والله لنبينن لها الطلاق أو لا نضع العصا عنك ، فقال :

                                                                                            فبيني فإن البين خير من العصا     وأن لا تزال فوق رأسك بارقه

                                                                                            [ ص: 284 ] فأبانها بثلاث تطليقات . رواه الطبراني ، وفيه جويبر ، وهو ضعيف .

                                                                                            التالي السابق


                                                                                            الخدمات العلمية