الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                            صفحة جزء
                                                                                            14463 وعن عبد الله بن عمر قال : لما طعن أبو لؤلؤة عمر طعنه طعنتين ، فظن عمر أن له ذنبا في الناس لا يعلمه ، فدعا ابن عباس ، وكان يحبه ويدنيه ويسمع منه ، فقال : أحب أن نعلم عن ملأ من الناس كان هذا ؟ فخرج ابن عباس فكان لا يمر بملأ من الناس إلا وهم يبكون ، فرجع إلى [ ص: 75 ] عمر ، فقال : يا أمير المؤمنين ، ما مررت على ملأ إلا وهم يبكون كأنهم فقدوا اليوم أبكار أولادهم ، فقال : من قتلني ؟ فقال : أبو لؤلؤة المجوسي عبد المغيرة بن شعبة قال ابن عباس : فرأيت البشر في وجهه ، فقال : الحمد لله الذي لم يبتلني أحد يحاجني يقول : لا إله إلا الله ، أما أني قد كنت نهيتكم أن تجلبوا إلينا من العلوج أحدا فعصيتموني ، ثم قال : ادعوا إلي إخواني قالوا : ومن ؟ قال : عثمان ، وعلي ، وطلحة ، والزبير ، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن أبي وقاص ، فأرسل إليهم ، ثم وضع رأسه في حجري ، فلما جاءوا ، قلت : هؤلاء قد حضروا قال : نعم . نظرت في أمر المسلمين فوجدتكم أيها الستة رءوس الناس وقادتهم ، ولا يكون هذا الأمر إلا فيكم ، ما استقمتم يستقم أمر الناس ، وإن يكن اختلاف يكن فيكم . فلما سمعته ذكر الاختلاف والشقاق وإن يكن ظننت أنه كائن ; لأنه قلما قال شيئا إلا رأيته ، ثم نزفه الدم فهمسوا بينهم حتى خشيت أن يبايعوا رجلا منهم ، فقلت : إن أمير المؤمنين حي بعد ، ولا يكون خليفتان ينظر أحدهما إلى الآخر ، فقال : احملوني ، فحملناه ، فقال : تشاوروا ثلاثا ، ويصلي بالناس صهيب قالوا : من نشاور يا أمير المؤمنين ؟ قال : شاوروا المهاجرين والأنصار ، وسراة من هنا من الأجناد ، ثم دعا بشربة من لبن ، فشرب فخرج بياض اللبن من الجرحين ، فعرف أنه الموت ، فقال : الآن لو أن لي الدنيا كلها لافتديت بها من هول المطلع ، وما ذاك ، والحمد لله أن أكون رأيت إلا خيرا ، فقال ابن عباس : وإن قلت فجزاك الله خيرا ، أليس قد دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يعز الله بك الدين والمسلمين إذ يخافون بمكة ، فلما أسلمت كان إسلامك عزا ، وظهر بك الإسلام ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ، وهاجرت إلى المدينة فكانت هجرتك فتحا ، ثم لم تغب عن مشهد شهده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قتال المشركين من يوم كذا ويوم كذا ، ثم قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو عنك راض ، فوازرت الخليفة بعده على منهاج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فضربت بمن أقبل على من أدبر حتى دخل الناس في الإسلام طوعا وكرها ، ثم قبض الخليفة وهو عنك راض ، ثم وليت بخير ما ولي الناس ، مصر الله بك الأمصار ، وجبى بك الأموال ، ونفى بك العدو ، وأدخل الله بك على كل أهل بيت من توسعتهم في دينهم ، وتوسعتهم في أرزاقهم ، [ ص: 76 ] ثم ختم لك بالشهادة ; فهنيئا لك . فقال : والله إن المغرور من تغرونه . ثم قال : أتشهد لي يا عبد الله عند الله يوم القيامة ؟ فقال : نعم ، فقال : اللهم لك الحمد ، ألصق خدي بالأرض يا عبد الله بن عمر ، فوضعته من فخذي على ساقي ، فقال : ألصق خدي بالأرض ، فترك لحيته وخده حتى وقع بالأرض ، فقال : ويلك وويل أمك يا عمر ! إن لم يغفر الله لك يا عمر . ثم قبض - رحمه الله - فلما قبض أرسلوا إلى عبد الله بن عمر فقال : لا آتيكم إن لم تفعلوا ما أمركم به من مشاورة المهاجرين والأنصار ، وسراة من هنا من الأجناد . .

                                                                                            قال الحسن : وذكر له فعل عمر عند موته وخشيته من ربه ، فقال : هكذا المؤمن جمع إحسانا وشفقة ، والمنافق جمع إساءة وغرة ، والله ما وجدت فيما مضى ولا فيما بقي عبدا ازداد إحسانا إلا ازداد مخافة وشفقة منه ، ولا وجدت فيما مضى ولا فيما بقي عبدا ازداد إساءة إلا ازداد غرة . .

                                                                                            رواه الطبراني في الأوسط ، وإسناده حسن .

                                                                                            التالي السابق


                                                                                            الخدمات العلمية