الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        الحجارة إن كانت مخلوقة في الأرض ، أو مثبتة ، دخلت في بيع الأرض . فإن كانت تضر بالزرع والغرس ، فهو عيب إن كانت الأرض تقصد لذلك . وفي وجه ضعيف : أنه ليس بعيب ، وإنما هو فوات فضيلة . وإن كانت مدفونة فيها لم تدخل في البيع ، كالكنوز والأقمشة في الدار . ثم إن كان المشتري عالما به ، فلا خيار [ له ] في فسخ العقد ، وله إجبار البائع على القلع والنقل ، تفريغا لملكه ، بخلاف الزرع ، فإن له أمدا ينتظر ، ولا أجرة للمشتري في مدة القلع والنقل وإن طالت ، كما لو اشترى دارا فيها أقمشة يعلمها ، فلا أجرة له في مدة نقلها ، [ ص: 542 ] ويجب على البائع إذا نقل تسوية الأرض . وإن كان جاهلا ، فللحجارة مع الأرض ، أربعة أحوال . أحدها : أن لا يكون في قلعها ولا في تركها ضرر ، بأن لا يحوج النقل وتسوية الأرض إلى مدة لمثلها أجرة ، ولا تنقص الأرض بها ، فللبائع النقل ، وعليه تسوية الأرض ، ولا خيار للمشتري ، وله إجبار البائع على النقل على الصحيح . وفي وجه : لا يجبره ، والخيار للبائع .

                                                                                                                                                                        الحال الثاني : أن لا يكون في قلعها ضرر ، ويكون في تركها ضرر ، فيؤمر البائع بالنقل . ولا خيار للمشتري ، كما لو اشترى دارا ، فلحق سقفها خلل يسير يمكن تداركه في الحال ، أو كانت منسدة البالوعة ، فقال البائع : أنا أصلحه وأنقيها ، لا خيار للمشتري .

                                                                                                                                                                        الحال الثالث : أن يكون القلع والترك مضرين ، فللمشتري الخيار ، سواء جهل أصل الأحجار ، أو كون قلعها مضرا ، ولا يسقط خياره بترك البائع الأحجار لأن بقاءها مضر . وهل يسقط بقول البائع : لا تفسخ لأغرم لك أجرة المثل مدة النقل ؟ وجهان .

                                                                                                                                                                        أصحهما : لا ، كما لو قال البائع : لا تفسخ بالعيب لأغرم لك الأرش . ثم إن اختار المشتري إمضاء البيع ، لزم البائع النقل وتسوية الأرض ، سواء كان النقل قبل القبض أو بعده . وهل تجب أجرة المثل لمدة النقل ؟ نظر إن كان النقل قبل القبض بني على أن جناية البائع قبل القبض كآفة سماوية ، أم كجناية الأجنبي ؟ إن قلنا بالأول ، لم تجب ، وإلا فهو كما لو نقل بعد القبض . وإن كان النقل بعد القبض ، ففي وجوبها وجهان .

                                                                                                                                                                        أصحهما عند الأكثرين : تجب ، كما لو جنى على المبيع بعد القبض ، عليه ضمانه . وإن اختصرت قلت : في الأجرة أوجه . أصحها ثالثها : إن كان النقل قبل القبض ، لم [ ص: 543 ] يجب ، وبعده يجب . ويجري هذا الخلاف في وجوب الأرش لو بقي في الأرض بعد التسوية عيب .

                                                                                                                                                                        الحال الرابع : أن يكون في قلعها ضرر ، وليس في تركها ضرر ، فللمشتري الخيار ، فإن أجاز ، ففي وجوب الأجرة والأرش ما سبق ، ولا يسقط خياره بقول البائع : اقلع وأغرم الأجرة أو أرش النقص ، قاله في " التهذيب " . ويجيء فيه الخلاف المذكور في الحالة الثالثة . ولو رضي بترك الأحجار في الأرض ، سقط خيار المشتري . ثم ينظر ، إن قال : تركتها للمشتري ، فهل هو تمليك للمشتري ، أم مجرد إعراض لقطع الخصومة ؟ وجهان . كالوجهين في ترك نعل الدابة المردودة بالعيب . أصحهما : الثاني . فإن قلنا بالأول ، فلو قلعها المشتري يوما ، فهي له . ولو أراد البائع الرجوع فيها ، لم يكن له . وإن قلنا بالثاني ، فهي للبائع . فلو أراد الرجوع ، قال الأكثرون : له ذلك ، ويعود خيار المشتري . وقال الإمام : لا رجوع له ، ويلزمه الوفاء بالترك . وإن قال : وهبتها لك ، واجتمعت شرائط الهبة ، حصل الملك ، وقيل بطرد الخلاف .

                                                                                                                                                                        فإن لم تجتمع ، ففي صحتها للضرورة وجهان . فإن صححنا ، ففي حصول الملك ما ذكرنا في لفظ الترك . وجميع ما ذكرنا إذا كانت الأرض بيضاء . أما إذا كان فيها غراس ، فينظر ، إن كان حاصلا يوم البيع واشتراه مع الأرض ، فنقصان الغراس وتعيبه بالأحجار ، كتعيب الأرض في إثبات الخيار وسائر الأحكام . وإن أحدثه المشتري عالما بالأحجار ، فللبائع قلعها ، وليس عليه ضمان نقص الغراس . وإن أحدثه جاهلا ، لم يثبت الخيار على الأصح ; لأن الضرر راجع إلى غير المبيع . فإن كانت الأرض تنقص أيضا بالأحجار ، نظر ، إن لم يحصل بالغرس وقلع المغروس نقص في الأرض ، فله القلع والفسخ . وإن حصل ، فلا خيار في الفسخ ، إذ لا يجوز رد المبيع ناقصا ، لكن يأخذ الأرش . وإذا قلع البائع ، فنقص الغراس ، لزمه أرش النقص بلا خلاف ، أما إذا كان فوق الأحجار زرع للبائع أو للمشتري ، [ ص: 544 ] ففي " التهذيب " : أنه يترك إلى أوان الحصاد ; لأن له غاية منتظرة ، بخلاف الغراس . ومنهم من سوى بينه وبين الغراس .

                                                                                                                                                                        قلت : الأصح : قول صاحب " التهذيب " ، وقد وافقه جماعة . قال صاحب " الإبانة " : إذا قلع البائع الأحجار بعد الحصاد ، فعليه تسوية الأرض . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        هل له الأجرة في مدة بقاء الزرع ؟ قطع الجمهور بأن لا أجرة . وقيل : وجهان . الأصح : لا أجرة ، وتقع تلك المدة مستثناة ، كمن باع دارا مشحونة بأمتعة ، لا يستحق المشتري أجرة لمدة التفريغ .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        تكلم إمام الحرمين في أن الأصحاب رحمهم الله ، لم يوجبوا على هادم الجدار إعادته ، بل أوجبوا أرشه ، وأوجبوا تسوية الحفر على البائع والغاصب ، وأجاب عنه بأن طم الحفر لا يكاد يتفاوت ، وهيئات الأبنية تتفاوت ، فشبه الطم بذوات الأمثال ، والجدار بذوات القيم . حتى لو رفع لبنة أو لبنتين من رأس جدار ، وأمكن الرد من غير خلل في الهيئة ، فهو كطم الحفر . وفي وجوب إعادة الجدار خلاف نذكره في الصلح إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية