الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        من ملك صيدا ، ثم أفلت منه ، لم يزل ملكه عنه . ومن أخذه ، لزمه رده إليه ، وسواء كان يدور في البلد وحوله ، أو التحق بالوحوش . ولو أرسله مالكه ، لم يزل عنه ملكه على الأصح المنصوص كما لو سيب دابته ، ولا يجوز ذلك ؛ لأنه يشبه سوائب الجاهلية ؛ لأنه قد يختلط بالمباح فيصاد ، وقيل : يزول .

                                                                                                                                                                        وقيل : إن قصد بإرساله التقرب إلى الله تعالى ، زال ، وإلا فلا . فإن قلنا : يزول ، عاد مباحا ، فمن صاده ملكه ، وإن قلنا : لا يزول ، لم يجز لغيره أن يصيده إذا عرفه . فإن قال عند الإرسال : أبحته لمن أخذه ، حصلت الإباحة ، [ ص: 257 ] ولا ضمان على من أكله ، لكن لا ينفذ تصرفه فيه . وإذا قلنا بالوجه الثالث ، فأرسله تقربا إلى الله تعالى ، فهل يحل اصطياده لرجوعه إلى الإباحة أم لا ، كالعبد المعتق ؟ وجهان :

                                                                                                                                                                        قلت : الأصح : الحل ، لئلا يصير في معنى سوائب الجاهلية . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        ولو ألقى كسرة خبز معرضا ، فهل يملكها من أخذها ؟ فيه وجهان مرتبان على إرسال الصيد . وأولى بأن لا يملك ، بل تبقى على ملك الملقي ؛ لأن سبب الملك في الصيد اليد ، وقد أزالها . قال الإمام : هذا الخلاف في زوال الملك ، وما فعله إباحة للطاعم في ظاهر المذهب ؛ لأن القرائن الظاهرة تكفي الإباحة . هذا لفظ الإمام ، ويوضحه ما نقل عن الصالحين من التقاط السنابل .

                                                                                                                                                                        قلت : الأصح : أنه يملك الكسرة والسنابل ونحوها ، ويصح تصرفه فيها بالبيع وغيره ، وهذا ظاهر أحوال السلف ، ولم يحك أنهم منعوا من أخذ شيئا من ذلك ، من التصرف فيه . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        لو أعرض عن جلد ميتة ، فأخذه غيره ودبغه ، ملكه على المذهب ؛ لأنه لم يكن مملوكا للأول ، وإنما كان له اختصاص ضعيف زال بالإعراض .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        من صاد صيدا عليه أثر ملك ، بأن كان موسوما أو مقرطا أو مخضوبا ، [ ص: 258 ] أو مقصوص الجناح ، لم يملكه ؛ لأنه يدل على أنه كان مملوكا فأفلت ، ولا ينظر إلى احتمال أنه صاده محرم ، ففعل به ذلك ثم أرسله ، فإنه تقدير بعيد .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        لو صاد سمكة في جوفها درة مثقوبة ، لم يملك الدرة ، بل تكون لقطة . وإن كانت غير مثقوبة ، فهي له مع السمكة . ولو اشترى سمكة فوجد في جوفها درة غير مثقوبة ، فهي للمشتري . وإن كانت مثقوبة ، فهي للبائع إن ادعاها ، كذا قال في " التهذيب " . ويشبه أن يقال : الدرة لصائد السمكة ، كالكنز الموجود في الأرض يكون لمحييها .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية