الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        إذا عدم المتمتع الدم في موضعه ، لزمه صوم عشرة أيام ، سواء كان له مال غائب في بلده ، أو غيره أم لم يكن ، بخلاف الكفارة ، فإنه يعتبر في الانتقال إلى الصوم فيها العدم مطلقا .

                                                                                                                                                                        والفرق أن بدل الدم موقت بكونه في الحج ، ولا توقيت في الكفارة . ثم إن الصوم يقسم ثلاثة أيام ، وسبعة . فالثلاثة يصومها في الحج ، ولا يجوز تقديمها على الإحرام بالحج ، ولا يجوز صوم شيء منها في يوم النحر . وفي أيام التشريق قولان تقدما في كتاب " الصيام " . ويستحب أن يصوم جميع الثلاثة قبل يوم عرفة ؛ لأنه يستحب للحاج فطر يوم عرفة ، وإنما يمكنه هذا إذا تقدم إحرامه بالحج على اليوم السادس من ذي الحجة . قال الأصحاب : المستحب للمتمتع الذي هو من أهل الصوم ، أن يحرم بالحج قبل السادس . وحكى الحناطي وجها : أنه إذا لم يتوقع هديا وجب تقديم الإحرام بالحج على السابع ، ليمكنه صوم الثلاثة قبل يوم النحر . وأما واجد الهدي ، فيستحب أن يحرم بالحج يوم التروية ، وهو الثامن من ذي الحجة ، ويتوجه بعد الزوال إلى منى . وإذا فات صوم الثلاثة في الحج ، لزمه قضاؤها ، ولا دم عليه . وعن ابن سريج ، وأبي إسحاق تخريج قول : أنه يسقط الصوم ويستقر الهدي في ذمته .

                                                                                                                                                                        واعلم أن فواتها يحصل بفوات يوم عرفة إن قلنا : إن أيام التشريق لا يجوز صومها ، وإلا حصل الفوات بخروج أيام التشريق . ولا خلاف أنها تفوت بفوات أيام التشريق . حتى لو تأخر طواف الزيارة عن أيام التشريق ، كان بعد في [ ص: 54 ] الحج ، وكان صوم الثلاثة بعد التشريق قضاء وإن بقي الطواف ؛ لأن تأخره بعيد في العادة ، فلا يقع مرادا من قول الله تعالى : ( ثلاثة أيام في الحج ) [ البقرة : 196 ] هكذا حكاه الإمام وغيره . وفي " التهذيب " حكاية وجه ضعيف ينازع فيه .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        وأما السبعة ، فوقتها إذا رجع . وفي المراد بالرجوع ، قولان . أظهرهما : الرجوع إلى الأهل والوطن ، نص عليه في " المختصر " وحرملة . والثاني : أنه الفراغ من الحج . فإن قلنا بالأول ، فإن توطن مكة بعد فراغه من الحج ، صام بها . وإن لم يتوطنها ، لم يجز صومه بها . وهل يجوز في الطريق إذا توجه إلى وطنه ؟ فيه طريقان .

                                                                                                                                                                        المذهب : لا يجوز ، وبه قطع العراقيون . والثاني : وجهان . أصحهما : لا يجوز . وإذا قلنا : إنه الفراغ ، فلو أخره حتى يرجع إلى وطنه ، جاز . وهل هو أفضل ، أم التقديم ؟ قولان . أظهرهما : التأخير أفضل ، للخروج من الخلاف .

                                                                                                                                                                        والثاني : التقديم مبادرة إلى الواجب . ولا يصح صوم شيء من السبعة في أيام التشريق بلا خلاف ، وإن قلنا : إنها قابلة للصوم ، سواء قلنا : المراد بالرجوع الفراغ ، أو الوطن ؛ لأنه بعد في الحج ، وإن حصل التحلل . وحكي قول : إن المراد بالرجوع الرجوع إلى مكة من منى . وجعل إمام الحرمين والغزالي هذا قولا سوى قول الفراغ من الحج ، ومقتضى كلام كثير من الأئمة : أنهما شيء واحد ، وهو الأشبه . وعلى تقدير كونه قولا آخر ، يتفرع عليه أنه لو رجع من منى إلى مكة صح صومه وإن تأخر طواف الوداع .

                                                                                                                                                                        [ ص: 55 ] فرع

                                                                                                                                                                        إذا لم يصم الثلاثة في الحج ورجع لزمه صوم العشرة . وفي الثلاثة ، القول المخرج الذي سبق . فعلى المذهب : هل يجب التفريق في القضاء بين الثلاثة والسبعة ؟ قولان . وقيل : وجهان . أصحهما عند الجمهور : يجب . والأصح عند الإمام : لا يجب . فعلى الأول ، هل يجب التفريق بقدر ما يقع تفريق الأداء ؟ قولان . أحدهما : لا ، بل يكفي التفريق بيوم ، نص عليه في " الإملاء " . وأظهرهما : يجب . وفي قدره أربعة أقوال تتولد من أصلين سبقا ، وهما صوم المتمتع أيام التشريق ، وأن الرجوع ماذا ؟ فإن قلنا : ليس للمتمتع صوم التشريق ، وأن الرجوع إلى الوطن ، فالتفريق بأربعة أيام .

                                                                                                                                                                        ومدة إمكان السير إلى أهله ، على العادة الغالبة . وإن قلنا : ليس له صومها ، وأن الرجوع ، الفراغ ، فالتفريق بأربعة فقط . وإن قلنا : له صومها ، وأن الرجوع إلى الوطن ، فالتفريق بمدة إمكان السير . وإن قلنا : له صومها ، والرجوع الفراغ ، فوجهان . أصحهما : يجب التفريق .

                                                                                                                                                                        والثاني : لا بد من التفريق بيوم . فإن أردت حصر الأقوال التي تجئ فيمن لم يصم الثلاثة في الحج مختصرا ، حصلت ستة .

                                                                                                                                                                        أحدها : لا صوم ، بل ينتقل إلى الهدي . والثاني : عليه صوم عشرة متفرقة أو متتابعة . والثالث : عشرة ويفرق بيوم فصاعدا . والرابع : يفرق بأربعة ومدة إمكان السير إلى الوطن . والخامس : يفرق بأربعة فقط . والسادس : بمدة إمكان السير فقط .

                                                                                                                                                                        قلت : المذهب منها : هو الرابع . - والله أعلم - .

                                                                                                                                                                        ولو صام عشرة متوالية ، وقلنا بالمذهب ، وهو وجوب قضاء الثلاثة أجزأه إن لم نشترط التفريق . فإن شرطناه واكتفينا بيوم ، لم يعتد باليوم الرابع ، ويحسب [ ص: 56 ] ما بعده ، فيصوم يوما آخر . هذا هو الصحيح المعروف . وفي وجه : لا يعتد بشيء سوى الثلاثة . وفي وجه للإصطخري : لا يعتد بالثلاثة أيضا إذا نوى التتابع ، وهما شاذان . وإن شرطنا التفريق بأكثر من يوم لم يعتد بذلك القدر .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        كل واحد من صوم الثلاثة ، والسبعة ، لا يجب فيه التتابع ، لكن يستحب . وحكي في وجوب التتابع قول مخرج من كفارة اليمين ، وهو شاذ ضعيف .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        إذا شرع في صوم الثلاثة أو السبعة ، ثم وجد الهدي ، لم يلزمه الهدي ، لكن يستحب . وقال المزني : يلزمه . ولو أحرم بالحج ولا هدي ، ثم وجده قبل الشروع في الصوم ، بني على أن المعتبر في الكفارة حال الوجوب ، أم الأداء ، أم أغلظهما ؟ إن اعتبرنا حال الوجوب ، أجزأه الصوم ، وإلا لزم الهدي ، وهو نصه في هذه المسألة .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية