الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        إذا باع مالا بمال ، فله حالان .

                                                                                                                                                                        أحدهما : أن لا يكونا ربوبين . والثاني : أن يكونا . فالحال الأول يشمل ما إذا لم يكن فيهما ربوي ، وما إذا كان أحدهما ربويا .

                                                                                                                                                                        وعلى التقديرين في هذا الحال ، لا تجب رعاية التماثل ، ولا الحلول ، ولا التقابض في المجلس ، سواء اتفق الجنس ، أو اختلف . حتى لو باع حيوانا بحيوانين من جنسه ، أو أسلم ثوبا في ثوبين من جنسه ، جاز . وأما الحال الثاني : فتارة يكونان ربويين بعلتين ، وتارة بعلة . فإن كانا بعلتين ، لم تجب رعاية التماثل ولا التقابض ولا الحلول .

                                                                                                                                                                        ومن صوره : أن يسلم أحد النقدين في الحنطة ، أو يبيع الحنطة بالذهب أو بالفضة ، نقدا ، أو نسيئة وإن كانا بعلة . فإن اتحد الجنس ، بأن باع الذهب بالذهب ، والحنطة بالحنطة ، ثبتت أحكام الربا الثلاثة ، فتجب رعاية التماثل والحلول والتقابض في المجلس . وإن اختلف الجنس ، كالحنطة بالشعير ، والذهب بالفضة ، لم تعتبر المماثلة ، ويعتبر الحلول والتقابض في المجلس .

                                                                                                                                                                        [ ص: 381 ] فرع :

                                                                                                                                                                        حيث اعتبرنا التقابض ، فتفرقا قبله ، بطل العقد . ولو تقابضا بعض كل واحد من العوضين ، ثم تفرقا ، بطل فيما لم يقبض . وفي المقبوض قولا تفريق الصفقة . والتخاير في المجلس قبل التقابض ، كالتفرق ، فيبطل العقد . وقال ابن سريج : لا يبطل . والصحيح : الأول . ولو وكل أحدهما وكيلا بالقبض ، فقبض قبل مفارقة الموكل المجلس ، جاز ، وبعده لا يجوز .

                                                                                                                                                                        فرع :

                                                                                                                                                                        قد سبق : بيع مال الربا بجنسه مع زيادة لا يجوز . فلو أراد بيع صحاح بمكسرة ، أو غير ذلك مع الزيادة ، فله طرق .

                                                                                                                                                                        منها : أن يبيع الدراهم بالدنانير ، أو بعرض . فإذا تقابضا وتخايرا ، أو تفرقا ، اشترى منه الدراهم المكسرة بالدنانير أو العرض ، فيصح ذلك ، سواء اتخذه عادة ، أم لا . ولو اشترى المكسرة بالدنانير ، أو العرض الذي اشتراه منه قبل قبضه ، لم يجز . وإن كان بعد قبضه وقبل التفرق والتخاير ، جاز على المذهب ، بخلاف ما لو باعه لغير بائعه قبل التفرق والتخاير ، فإنه لا يجوز ، لما فيه من إسقاط خيار العاقد الآخر ، وهنا يحصل بتبايعهما الثاني إجازة الأول .

                                                                                                                                                                        ومنها : أن يقرض صاحبه الصحاح ، ويستقرض منه المكسرة ، ثم يبرئ كل واحد منهما صاحبه .

                                                                                                                                                                        [ ص: 382 ] ومنها : أن يهب كل واحد ماله للآخر .

                                                                                                                                                                        ومنها : أن يبيع الصحاح بوزنها مكسورة ، ويهبه صاحب المكسورة الزيادة ، فجميع هذه الطرق جائزة ، إذا لم يشرط في إقراضه وهبته وبيعه ما يفعله الآخر .

                                                                                                                                                                        قلت : هذه الطرق وإن كانت جائزة عندنا ، فهي مكروهة إذا نويا ذلك . ودلائل الكراهة أكثر من أن تحصى . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        فرع :

                                                                                                                                                                        لو باع نصفا شائعا من دينار قيمته عشرة دراهم بخمسة ، جاز ، ويسلم إليه الدينار ليحصل تسليم النصف ، ويكون النصف الآخر أمانة في يد القابض ، بخلاف ما لو كان له عشرة عليه ، فأعطاه عشرة عددا فوزنت ، فكانت أحد عشر ، كان الدينار الفاضل للدافع على الإشاعة ، ويكون مضمونا على القابض ؛ لأنه قبضه لنفسه . ثم إذا سلم الدراهم الخمسة ، فله أن يستقرضها ويشتري بها النصف الآخر . ولو باعه كل الدينار بعشرة ، وليس معه إلا خمسة ، فدفعها إليه ، واستقرض منه خمسة أخرى ، فقبضها وردها إليه عن الثمن ، جاز ، ولو استقرض الخمسة المدفوعة ، لم يكف على الأصح .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية