الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        وأما الصفة : ففيها مسائل :

                                                                                                                                                                        إحداها : في بيع الأعيان الغائبة والحاضرة التي لم تر ، قولان . قال في القديم و " الإملاء " : والصرف من الجديد يصح ، وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد - رضي الله عنهم - ، وقال بتصحيحه طائفة من أئمتنا ، وأفتوا به ، منهم ، البغوي ، والروياني . وقال في " الأم " و " البويطي " : لا يصح ، وهو اختيار المزني . وفي محل القولين ، ثلاث طرق . أصحها : أنهما فيما لم يره المتعاقدان أو أحدهما بلا فرق . والثاني : أنهما فيما شاهده البائع دون المشتري . فإن لم يشاهده البائع ، فباطل قطعا . والثالث : إن رآه المشتري ، صح قطعا ، وإلا ، فالقولان .

                                                                                                                                                                        الثانية : القولان في شراء الغائب وبيعه يجريان في إجارته ، وفيما إذا أجر بعين غائبة ، أو صالح عليها ، أو جعلها رأس مال السلم وسلمها في المجلس . أما إذا أصدقها عينا غائبة ، أو خالعها عليها ، أو عفا عن القصاص على عين غائبة ، فيصح النكاح وتقع البينونة ، ويسقط القصاص قطعا . وفي صحة المسمى ، القولان . فإن لم يصح ، وجب مهر المثل على الرجل في النكاح ، وعلى المرأة في الخلع ، ووجبت الدية على المعفو عنه . ويجريان في رهن الغائب وهبته ، وهما أولى بالصحة ؛ لعدم الغرر . ولهذا ، إذا صححناهما ، فلا خيار عند الرؤية .

                                                                                                                                                                        الثالثة : إن لم يجز بيع الغائب وشراؤه ، لم يجز بيع الأعمى وشراؤه ، وإلا ، فوجهان . أصحهما : لا يجوز أيضا ، إذ لا سبيل إلى رؤيته ، فيكون كبيع الغائب على أن لا خيار . والثاني : يجوز ، ويقام وصف غيره له مقام رؤيته ، وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد - رضي الله عنهم - . فإذا قلنا : لا يصح بيعه وشراؤه ، لم يصح [ ص: 371 ] منه الإجارة والرهن والهبة أيضا . وهل له أن يكاتب عبده ؟ قال في " التهذيب " : لا . وقال في " التتمة " : المذهب جوازه ، تغليبا للعتق .

                                                                                                                                                                        قلت : الأصح : الجواز . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        ويجوز أن يؤجر نفسه ، وللعبد الأعمى أن يشتري نفسه ، وأن يقبل الكتابة على نفسه لعلمه بنفسه ، ويجوز أن يتزوج . وإذا زوج موليته تفريعا على أن العمى غير قادح في الولاية ، والصداق عين مال ، لم يثبت المسمى ، وكذا لو خالع الأعمى على مال . أما إذا أسلم في شيء ، أو أسلم إليه ، فينظر ، إن عمي بعد بلوغه سن التمييز ، صح ؛ لأنه يعرف الأوصاف ، ثم يوكل من يقبض عنه على الوصف المشروط ، ولا يصح قبضه بنفسه على الأصح ؛ لأنه لا يميز بين المستحق وغيره . وإن خلق أعمى ، أو عمي قبل التمييز ، فوجهان . أصحهما عند العراقيين والأكثرين من غيرهم : الصحة ؛ لأنه يعرف بالسماع . فعلى هذا ، إنما يصح إذا كان رأس المال موصوفا معينا في المجلس ، فإن كان معينا ، فهو كبيعه العين . ثم كل ما لا يصح من الأعمى من التصرفات ، فطريقه أن يوكل ، ويحتمل ذلك للضرورة .

                                                                                                                                                                        قلت : لو كان الأعمى رأى شيئا مما لا يتغير ، صح بيعه وشراؤه إياه إذا صححنا ذلك من البصير ، وهو المذهب . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        الرابعة : إذا لم نجوز بيع الغائب وشراءه ، فعليه فروع .

                                                                                                                                                                        أحدها : لو اشترى غائبا رآه قبل العقد ، نظر ، إن كان مما لا يتغير غالبا ، كالأرض ، والأواني ، والحديد ، والنحاس ، ونحوها ، أو كان لا يتغير في المدة المتخللة بين الرؤية والشراء ، صح العقد ؛ لحصول العلم المقصود . وقال الأنماطي : لا يصح ، وهو شاذ مردود . فإذا صححناه ، فوجده كما رآه أولا ، فلا خيار . وإن وجده متغيرا ، فالمذهب : أن العقد صحيح ، وله الخيار ، وبهذا قطع الجمهور . [ ص: 372 ] وذكر في " الوسيط " وجها : أنه يتبين بطلان البيع لتبين انتفاء المعرفة . قال الإمام : وليس المراد بتغيره حدوث عيب ، فإن خيار العيب لا يختص بهذه الصورة ، بل الرؤية بمنزلة الشرط في الصفات الكائنة عند الرؤية . فكل ما فات منها ، فهو كتبين الخلف في الشرط . وأما إذا كان المبيع مما يتغير في مثل تلك المدة غالبا ، بأن رأى ما يسرع فساده من الأطعمة ، ثم اشتراه بعد مدة صالحة ، فالبيع باطل . وإن مضت مدة يحتمل أن يتغير فيها ، ويحتمل أن لا يتغير ، أو كان حيوانا ، فالأصح الصحة . فإن وجده متغيرا ، فله الخيار . وإذا اختلفا ، فقال المشتري : تغير . وقال البائع : هو بحاله ، فالأصح المنصوص ، أن القول قول المشتري مع يمينه ؛ لأن البائع يدعي عليه علمه بهذه الصفة ، فلم يقبل كادعائه اطلاعه على العيب . والثاني : القول قول البائع .

                                                                                                                                                                        الثاني : استقصاء الأوصاف على الحد المعتبر في السلم ، هل يقوم مقام الرؤية - وكذا سماع وصفه - بطرق التواتر ؟ وجهان . أصحهما : لا ، وبه قطع العراقيون .

                                                                                                                                                                        الثالث : لو رأى بعض الشيء دون بعض ، فإن كان مما يستدل برؤية بعضه على الباقي ، صح البيع قطعا ، وذلك مثل رؤية ظاهر صبرة الحنطة ونحوها . ثم لا خيار إذا رأى باطنها ، إلا إذا خالف ظاهرها . وحكي قول شاذ ضعيف : أنه لا يكفي رؤية ظاهر الصبرة ، بل لا بد من أن يقلبها ليعرف باطنها ، والمشهور هو الأول . وفي معنى الحنطة والشعير ، صبرة الجوز واللوز والدقيق . فلو كان شيء منها في وعاء ، فرأى أعلاه ، أو رأى أعلى السمن والخل وسائر المائعات في ظروفها ، كفى . ولو كانت الحنطة في بيت مملوء منها ، فرأى بعضها من الكوة أو الباب ، كفى إن عرف سعة البيت وعمقه ، وإلا ، فلا . وكذا حكم الجمد في المجمدة . ولا تكفي رؤية صبرة البطيخ ، والسفرجل ، والرمان ، بل لا بد من رؤية كل واحدة منها . ولا يكفي في سلة العنب والخوخ ونحوهما ، رؤية أعلاها ؛ لكثرة الاختلاف فيها ، بخلاف الحبوب . وأما التمر ، فإن لم تلزق حباته ، فصبرته [ ص: 373 ] كصبرة الجوز ، واللوز . وإن التزقت كالقوصرة ، كفى رؤية أعلاها على الصحيح . وأما القطن في العدل ، فهل تكفي رؤية أعلاه ، أم لا بد من رؤية جميعه ؟ فيه خلاف حكاه الصيمري وقال : الأشبه عندي ، أنه كقوصرة التمر .

                                                                                                                                                                        الرابع : لو أراه أنموذجا وبنى أمر البيع عليه ، نظر ، إن قال : بعتك من هذا النوع كذا ، فهو باطل ؛ لأنه لم يعين مالا ولم يراع شروط السلم ، ولا يقوم ذلك مقام الوصف في السلم على الصحيح ؛ لأن الوصف باللفظ يرجع إليه عند النزاع . وإن قال : بعتك الحنطة التي في هذا البيت ، وهذا الأنموذج منها ، فإن لم يدخل الأنموذج في البيع ، لم يصح على الأصح ؛ لأن المبيع غير مرئي . وإن أدخله ، صح على الأصح . ولا يخفى أن مسألة الأنموذج ، مفروضة في المتماثلات .

                                                                                                                                                                        الخامس : إذا كان الشيء مما لا يستدل برؤية بعضه على الباقي . فإن كان المرئي صوانا له ، كقشر الرمان والبيض ، كفى رؤيته ، وكذا شراء الجوز واللوز في القشر الأسفل . ولا يصح بيع اللب وحده على القولين جميعا ؛ لأن تسليمه لا يمكن إلا بكسر القشر فينقص عين المبيع . ولو رأى المبيع من وراء قارورة هو فيها ، لم يكف ؛ لأن المعرفة التامة لا تحصل به ، وليس فيه صلاح له ، بخلاف السمك يراه في الماء الصافي ، يجوز بيعه . وكذا الأرض يعلوها ماء صاف ؛ لأن الماء من صلاحهما . وإن لم يكن كذلك ، لم تكف رؤية البعض على هذا القول الذي تفرع عليه . وأما على القول الآخر ، فيأتي ذكره إن شاء الله تعالى في المسألة الخامسة .

                                                                                                                                                                        السادس : الرؤية في كل شيء على حسب ما يليق به . ففي شراء الدار ، لا بد من رؤية البيوت ، والسقوف والسطوح ، والجدران ، داخلا وخارجا ، والمستحم والبالوعة . وفي البستان ، يشترط رؤية الأشجار ، والجدران ، ومسايل الماء ، ولا حاجة إلى رؤية أساس البنيان وعروق الأشجار ونحوهما . وقيل : في [ ص: 374 ] اشتراط رؤية طريق الدار ، ومجرى الماء الذي تدور به الرحى ، وجهان . ويشترط في شراء العبد رؤية الوجه ، والأطراف ، ولا يجوز رؤية العورة . وفي باقي البدن ، وجهان . أصحهما : الاشتراط ، وبه قطع صاحبا " التهذيب " و " الرقم " . وفي الجارية أوجه :

                                                                                                                                                                        أحدها : كالعبد . والثاني : يشترط رؤية ما يظهر عند الخدمة . والثالث : تكفي رؤية الوجه والكفين . وفي الأسنان واللسان ، وجهان . ويشترط رؤية الشعر على الأصح .

                                                                                                                                                                        قلت : الأصح : أنها كالعبد . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        ويشترط في الدواب رؤية مقدمها ، ومؤخرها وقوائمها ، ويشترط رفع السرج والإكاف ، والجل . وفي وجه : يشترط أن يجري الفرس بين يديه ليعرف سيره ، ويشترط في الثوب المطوي نشره . قال الإمام : ويحتمل عندي أن يصحح بيع الثياب التي لا تنشر أصلا إلا عند القطع ، لما في نشرها من النقص .

                                                                                                                                                                        قلت : قال القفال في " شرح التلخيص " : لو اشترى الثوب المطوي وصححناه ، فنشره ، واختار الفسخ ، وكان لطيه مؤنة ، ولم يحسن طيه ، لزم المشتري مؤنة الطي ، كما لو اشترى شيئا ونقله إلى بيته فوجد به عيبا ، فإن مؤنة الرد على المشتري . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        ثم إذا نشرت ، فما كان صفيقا كالديباج المنقش ، فلا بد من رؤية وجهيه ، وكذا البسط والزلالي . وما كان رقيقا ، لا يختلف وجهاه ، كالكرباس ، كفى رؤية أحد وجهيه على الأصح . ولا يصح بيع الثياب التوزية في المسوح على هذا القول ، ولا بد في شراء المصحف والكتب من تقليب الأوراق ورؤية جميعها . وفي الورق البياض ، لا بد من رؤية جميع الطاقات . قال أبو الحسن العبادي : الفقاع يفتح رأسه فينظر فيه بقدر الإمكان ، ليصح بيعه . وأطلق الغزالي في " الإحياء " : المسامحة به .

                                                                                                                                                                        [ ص: 375 ] قلت : الأصح : قول الغزالي . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        المسألة الخامسة : إذا جوزنا بيع الغائب ، فعليه فروع .

                                                                                                                                                                        أحدها : بيع اللبن في الضرع باطل . فلو قال : بعتك من اللبن الذي في ضرع هذه البقرة كذا ، لم يجز على المذهب ؛ لعدم تيقن وجود ذلك القدر . وقيل : فيه قولا بيع الغائب . ولو حلب شيئا من اللبن فأراه ، ثم باعه رطلا مما في الضرع ، فوجهان كالأنموذج . وذكر الغزالي الوجهين ، فيما لو قبض قدرا من الضرع وأحكم شده وباع ما فيه .

                                                                                                                                                                        قلت : الأصح في الصورتين البطلان ؛ لأنه يختلط بغيره مما ينصب في الضرع . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        الثاني : لا يجوز بيع الصوف على ظهر الغنم . وفي وجه : يجوز بشرط الجز ، وهو شاذ ضعيف . ويجوز بيع الصوف على ظهر الحيوان بعد الذكاة ، وتجوز الوصية باللبن في الضرع ، والصوف على الظهر .

                                                                                                                                                                        الثالث : بيع الشاة المذبوحة قبل السلخ ، باطل ، سواء بيع الجلد واللحم معا ، أو أحدهما . ولا يجوز بيع الأكارع والرءوس قبل الإبانة . وفي الأكارع وجه شاذ . ويجوز بيعها بعد الإبانة نيئة ومشوية . وكذا المسموط نيئا ومشويا . وفي النيء احتمال للإمام .

                                                                                                                                                                        الرابع : بيع المسك في الفأرة ، باطل ، سواء بيع معها أو دونها ، كاللحم في الجلد ، سواء فتح رأس الفأرة ، أم لا . وقال في " التتمة " : إذا كانت مفتوحة ، نظر ، إن لم يتفاوت ثخنها ، وشاهد المسك فيها ، صح البيع ، وإلا ، فلا . وقال ابن سريج : يجوز بيعه مع الفأرة مطلقا ، كالجوز . ولو رأى المسك خارج الفأرة ، ثم اشتراه بعد الرد إليها ، فإن كان رأسها مفتوحا فرآه ، جاز ، وإلا ، فعلى قولي بيع الغائب .

                                                                                                                                                                        [ ص: 376 ] قلت : قال أصحابنا : لو باع المسك المختلط بغيره ، لم يصح ؛ لأن المقصود مجهول . كما لا يصح بيع اللبن المخلوط بماء . ولو باع سمنا في ظرف ، ورأى أعلاه مع ظرفه أو دونه ، صح . فإن قال : بعتكه بظرفه ، كل رطل بدرهم ، فإن لم يكن للظرف قيمة ، بطل . وإن كان ، فقد قيل : يصح وإن اختلفت قيمتهما ، كما لو باع فواكه مختلطة ، أو حنطة مختلطة بشعير وزنا أو كيلا . وقيل : باطل ؛ لأن المقصود السمن ، وهو مجهول ، بخلاف الفواكه ، فكلها مقصودة . وقيل : إن علما وزن الظرف والسمن ، جاز ، وإلا ، فلا ، وهذا هو الأصح ، صححه الجمهور ، وقطع به معظم العراقيين . وإن باع المسك بفأرة ، كل مثقال بدينار ، فكالسمن بظرفه ، ذكره البغوي وغيره . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        الخامس : لو رأى بعض الثوب ، وبعضه الآخر في صندوق ، فالمذهب : أنه على القولين في الغائب ، وبه قال الجمهور . وقيل : باطل قطعا . ولو كان المبيع شيئين ، رأى أحدهما فقط ، فإن أبطلنا بيع الغائب ، بطل فيما لم يره ، وفي المرئي قولا تفريق الصفقة ، وإلا ، ففي صحة العقد فيهما ، القولان فيمن جمع في صفقة بين مختلفي الحكم ؛ لأن ما رآه لا خيار فيه ، وما لم يره فيه الخيار . فإن صححنا ، فله رد ما لم يره وإمساك ما رآه .

                                                                                                                                                                        السادس : إذا لم يشرط الرؤية ، فلا بد من ذكر جنس المبيع ونوعه ، بأن يقول : بعتك عبدي التركي ، أو فرسي العربي . ولا يكفي : بعتك ما في كمي أو كفي أو خزانتي ، أو ميراثي من فلان ، إذا لم يعرفه المشتري . وفي وجه : يكفي . وفي وجه آخر : يكفي ذكر الجنس ، ولا حاجة إلى النوع ، فيقول : عبدي ، وهما شاذان ضعيفان . وإذا ذكر الجنس والنوع ، لم يفتقر إلى ذكر الصفات على الأصح المنصوص في " الإملاء " والقديم . وفي وجه : يفتقر إلى ذكر معظم الصفات ، وضبط ذلك بما يصف به المدعى عند القاضي ، قاله القاضي أبو حامد . وفي وجه أضعف [ ص: 377 ] منه : يفتقر إلى صفات السلم ، قاله أبو علي الطبري . فعلى الأصح : لو كان له عبدان من أنواع ، فلا بد من زيادة يقع بها التمييز كالتعرض للسن أو غيره .

                                                                                                                                                                        السابع : إذا قلنا : يشترط الوصف فوصف ، فإن وجده كما وصف ، فله الخيار على الأصح . وقيل : له الخيار قطعا . وإن وجده دون وصفه ، فله الخيار قطعا . وإن قلنا : لا حاجة إلى الوصف ، فللمشتري الخيار عند الرؤية ، سواء شرط الخيار ، أم لا . وقيل : لا يثبت الخيار إلا أن يشرطه . والصحيح : الأول . وهل له الخيار قبل الرؤية ؟ فيه أوجه . الصحيح : أنه ينفذ فسخه قبل الرؤية ، ولا تنفذ إجازته . والثاني : ينفذان . والثالث : لا ينفذان . وأما البائع ، فالأصح : أنه لا خيار له ، سواء كان رأى المبيع ، أم لا . وقيل : له الخيار في الحالين . وقيل : له الخيار إن لم يكن رآه ، وبه قطع الشيخ ومتابعوه كالمشتري . ثم خيار الرؤية حيث ثبت ، هل هو على الفور ، أم يمتد امتداد مجلس الرؤية ؟ وجهان . أصحهما : يمتد . قال الشيخ أبو محمد : الوجهان بناء على وجهين في أنه هل يثبت خيار المجلس مع خيار الرؤية كشراء العين الحاضرة ، أم لا يثبت للاستغناء بخيار الرؤية ؟ فعلى الأول : خيار الرؤية على الفور ، لئلا يثبت خيار مجلسين . وعلى الثاني : يمتد .

                                                                                                                                                                        الثامن : لو تلف المبيع في يد المشتري قبل الرؤية ، ففي انفساخ البيع وجهان ، كنظيره في خيار الشرط . ولو باعه قبل الرؤية ، لم يصح ، بخلاف ما لو باعه في زمن خيار الشرط ، فإنه يصح على الأصح ؛ لأنه يصير مجيزا للعقد ، وهنا لا إجازة قبل الرؤية .

                                                                                                                                                                        التاسع : هل يجوز أن يوكل في الرؤية من يفسخ أو يجيز ما يستصوبه ؟ وجهان . أصحهما : يجوز كالتوكيل في خيار العيب والخلف . والثاني : لا ؛ لأنه خيار شهوة لا يتوقف على نقص ولا غرض ، فأشبه ما لو أسلم على أكثر من أربع نسوة ، يوكل في الاختيار .

                                                                                                                                                                        العاشر : نقل صاحب " التتمة " والروياني وجها : أنه يعتبر على قول اشتراط [ ص: 378 ] الرؤية ، الذوق في الخل ونحوه ، والشم في المسك ونحوه ، واللمس في الثياب ونحوها ، والصحيح المعروف : أنها لا تعتبر .

                                                                                                                                                                        الحادي عشر : ذكر بعضهم : أنه لا بد من ذكر موضع المبيع الغائب . فلو كان في غير بلد التبايع ، وجب تسليمه في ذلك البلد ، ولا يجوز شرط تسليمه في بلد التبايع . بخلاف السلم ، فإنه مضمون في الذمة . والعين الغائبة غير مضمونة في الذمة ، فاشتراط نقلها ، يكون بيعا وشرطا .

                                                                                                                                                                        الثاني عشر : لو رأى ثوبين فسرق أحدهما ، فاشترى الباقي ولا يعلم أيهما المسروق ، قال الغزالي في " الوسيط " : إن تساوت صفتهما وقدرهما وقيمتهما ، كنصفي كرباس واحد ، صح قطعا ، وإن اختلفا في شيء من ذلك ، خرج على بيع الغائب .

                                                                                                                                                                        الثالث عشر : إذا لم نشرط الرؤية ، فاختلفا ، فقال البائع للمشتري : رأيت المبيع فلا خيار لك ، فأنكر المشتري ، فالقول قول البائع على الأصح . وإن شرطنا الرؤية فاختلفا ، قال الغزالي في فتاويه : القول قول البائع ؛ لأن إقدام المشتري على العقد ، اعتراف بصحته ، ولا ينفك هذا عن خلاف .

                                                                                                                                                                        قلت : هذه مسألة اختلافهما في مفسد للعقد ، وفيها الخلاف المعروف . والأصح : أن القول قول من يدعي الصحة ، وعليه فرعها الغزالي .

                                                                                                                                                                        وبقيت مسائل تعلق بالباب ، منها بيع أستار الكعبة ، فيه خلاف قدمته في أواخر الحج . وبيع أشجار الحرم وصيده ، حرام باطل . قال القفال : إلا أن يقطع شيئا يسيرا لدواء ، فيجوز بيعه حينئذ . وفيما قاله نظر ، وينبغي أن لا يجوز كالطعام الذي أبيح له أكله ، لا يجوز بيعه . قال صاحب " التلخيص " : حكم شجر النقيع - بالنون - الذي هو الحمى ، حكم أشجار الحرم ، فلا يجوز بيعه . ومما تعم به البلوى ما اعتاده الناس من بيع نصيبه من الماء الجاري من النهر . قال المحاملي في " اللباب " : هذا باطل لوجهين : أحدهما : أن المبيع غير معلوم القدر . والثاني : أن الماء الجاري [ ص: 379 ] غير مملوك ، وسيأتي هذا مع غيره مبسوطا في آخر كتاب إحياء الموات إن شاء الله تعالى . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية