الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  3414 114 - حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب عن الزهري قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا سعيد الخدري رضي الله عنه قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقسم قسما إذ أتاه ذو الخويصرة -وهو رجل من بني تميم- فقال: يا رسول الله اعدل. فقال: ويلك ومن يعدل إذا لم أعدل قد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل، فقال عمر: يا رسول الله، ائذن لي فيه فأضرب عنقه. فقال: دعه فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم، يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ينظر إلى نصله فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى رصافه فما يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى نضيه وهو قدحه فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى قذذه فلا يوجد فيه شيء قد سبق الفرث والدم، آيتهم رجل أسود إحدى عضديه مثل ثدي المرأة أو مثل البضعة تدردر، ويخرجون على حين فرقة من الناس. قال أبو سعيد: فأشهد أني سمعت هذا الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأشهد أن علي بن أبي طالب قاتلهم وأنا معه، فأمر بذلك الرجل فالتمس فأتي به حتى نظرت إليه على نعت النبي صلى الله عليه وسلم الذي نعته.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة، والحديث أخرجه البخاري أيضا في الأدب عن عبد الرحمن بن إبراهيم دحيم، وفي استتابة المرتدين عن عبد الله بن محمد، وفي فضائل القرآن عن عبد الله بن يوسف، وأخرجه مسلم في الزكاة عن محمد بن المثنى به، وعن أبي الطاهر بن السرح وحرملة بن يحيى وأحمد بن عبد الرحمن، وأخرجه النسائي في فضائل القرآن عن محمد بن سلمة والحارث بن مسكين، وفي التفسير عن محمد بن عبد الأعلى، وأخرجه ابن ماجه في السنة عن أبي بكر بن أبي شيبة.

                                                                                                                                                                                  (ذكر معناه) الكلام في بينما قد مر غير مرة. قوله: " وهو يقسم " الواو فيه للحال. قوله: " أتاه ذو الخويصرة " بضم الخاء المعجمة وفتح الواو وسكون الياء آخر الحروف وكسر الصاد المهملة وبالراء، وفي تفسير الثعلبي: بينا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقسم غنائم هوازن جاءه ذو الخويصرة التميمي، أصل الخوارج فقال: اعدل قال: هذا غير ذي الخويصرة اليماني الذي بال في المسجد. وقال ابن الأثير في كتاب الأذواء: ذو الخويصرة رجل صحابي من بني تميم وهو الذي قال للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم في قسم قسمه: اعدل. انتهى. ولما ذكره السهيلي عقبه بقوله: ويذكر عن الواقدي أنه حرقوص بن زهير الكعبي من سعد تميم، وكان لحرقوص هذا مشاهد كثيرة مشهورة محمودة في حرب العراق مع الفرس أيام عمر رضي الله تعالى عنه، ثم صار خارجيا. قال: وليس ذو الخويصرة هذا هو ذو الثدية الذي قتله علي رضي الله تعالى عنه بالنهروان، ذاك اسمه نافع ذكره أبو داود، وقيل: المعروف أن ذا الثدية اسمه حرقوص وهو الذي حمل على علي رضي الله تعالى ليقتله فقتله علي رضي الله تعالى عنه.

                                                                                                                                                                                  قوله: " قد خبت " بلفظ المتكلم وبالخطاب أي: خبت أنت لكونك تابعا ومقتديا لمن لا يعدل، والفتح أشهر وأوجه. قوله: " فقال عمر " أي ابن الخطاب، وقال في موضع آخر: فقال خالد بن الوليد: ائذن لي في قتله، ولا مانع أن يكون كل منهما استأذن في ذلك. قوله: " فإن له أصحابا " الفاء فيه ليس للتعليل في ترك القتل في كون الأصحاب له وإن استحق [ ص: 143 ] القتل بل لتعقيب الأخبار، أي: قال: دعه ثم عقب مقالته بقصتهم، وغاية ما في الباب أن حكمه حكم المنافق، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يقتلهم؛ لئلا يقال: إن محمدا -صلى الله عليه وسلم- يقتل أصحابه. قوله: " لا يجاوز تراقيهم " التراقي: جمع ترقوة وهو عظم، وأصل ما بين ثغرة النحر والعاتق، وفي رواية: " لا يجاوز حناجرهم ". قوله: " يمرقون " من المروق وهو الخروج، وإن كان المراد بالدين الإسلام فهو حجة لمن يكفر الخوارج، وإن كان المراد الطاعة لا يكون فيه حجة، وإلى هذا مال الخطابي. قوله: " من الرمية " على وزن فعيلة بمعنى مفعولة وهو الصيد المرمي، شبه مروقهم من الدين بالسهم الذي يصيب الصيد فيدخل فيه، ويخرج منه من شدة سرعة خروجه لقوة الرامي لا يعلق من جسد الصيد بشيء. قوله: " إلى نصله " وهو حديدة السهم. قوله: " إلى رصافه " بكسر الراء وبالصاد المهملة، ثم بالفاء وهو العصب الذي يلوى فوق مدخل النصل، والرصاف جمع رصفة بالحركات الثلاث. قوله: " إلى نضيه " بفتح النون وحكي ضمها، وبكسر الضاد المعجمة وتشديد الياء آخر الحروف، وقد فسره في الحديث بالقدح بكسر القاف وسكون الدال المهملة، وهو عود السهم قبل أن يراش وينصل. وقيل: هو ما بين الريش والنصل قاله الخطابي، وقال ابن فارس: سمي بذلك لأنه يرى حتى عاد نضوا أي: هزيلا، وحكى الجوهري عن بعض أهل اللغة أن النضي النصل. والأول أولى.

                                                                                                                                                                                  قوله: " إلى قذذه " بضم القاف وبذالين معجمتين الأولى مفتوحة وهو جمع قذة وهي واحدة الريش الذي على السهم، يقال: أشبه به من القذة بالقذة؛ لأنها تحذى على مثال واحد. قوله: " قد سبق الفرث " أي: قد سبق السهم بحيث لم يتعلق به شيء من الفرث والدم، ولم يظهر أثرهما فيه، والفرث السرجين ما دام في الكرش، ويقال: الفرث ما يجتمع في الكروش مما تأكله ذوات الكروش، وقال القاضي: يعني: نفذ السهم في الصيد من جهة أخرى، ولم يتعلق شيء منه به.

                                                                                                                                                                                  قوله: " آيتهم ": أي علامتهم. قوله: " أو مثل البضعة " بفتح الباء الموحدة: أي مثل قطعة اللحم. قوله: " تدردر " بدالين وراءين بين مهملات: أي: تضطرب وهو فعل مضارع من الدردرة وهو صوت إذا اندفع سمع له اختلاط، وقيل: تدردر تجيء وتذهب، ومنه دردر الماء. قوله: " على خير فرقة " بفتح الخاء المعجمة وسكون الياء آخر الحروف، وفي آخره راء أي: على أفضل فرقة أي: طائفة، وهذه رواية الكشميهني، وفي رواية غيره: على حين فرقة بكسر الحاء المهملة وسكون الياء آخر الحروف، ثم نون، وفرقة بضم الفاء على هذه الرواية؛ أي: على زمان فرقة: أي افتراق.

                                                                                                                                                                                  وقال القاضي: خير فرقة أي: أفضل طائفة هم علي رضي الله تعالى عنه وأصحابه، وخير القرون، وهو الصدر الأول. قوله: " فالتمس " على صيغة المجهول أي: فطلب. قوله: " على نعت النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم " أي: على وصفه الذي وصفه، والفرق بين الصفة والنعت هو أن النعت يكون بالحلية نحو الطويل والقصير، والصفة بالأفعال نحو خارج وضارب فعلى هذا لا يقال: الله منعوت، بل يقال: موصوف. وقيل: النعت ما كان لشيء خاص كالعرج والعمى والعور؛ لأن ذلك يخص موضعا من الجسد، والصفة ما لم تكن لشيء مخصوص كالعظيم والكريم. (قلت): فلذلك قال أبو سعيد رحمه الله تعالى هنا: على نعت النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فافهم، فإن فيه دقة.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية