الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  3274 115 - حدثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد، أخبرنا الأوزاعي، حدثنا حسان بن عطية، عن أبي كبشة، عن عبد الله بن عمرو أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة.

                                                                                                                                                                                  والأوزاعي عبد الرحمن بن عمرو، وأبو كبشة السلولي اسمه هو كنيته.

                                                                                                                                                                                  والحديث أخرجه الترمذي أيضا في العلم عن محمد بن يوسف وعن عبد الرحمن بن ثابت.

                                                                                                                                                                                  قوله: (ولو آية)؛ أي: علامة ظاهرة، فهو تتميم ومبالغة، أي: ولو كان المبلغ فعلا أو إشارة ونحوها، قال القاضي البيضاوي: إنما قال " آية " أي من القرآن ولم يقل حديثا، فإن الآيات مع تكفل الله بحفظها واجبة التبليغ، فتبليغ الحديث يفهم منه بالطريق الأولى. وقيل: إنما قال " آية " ليسارع كل سامع إلى تبليغ ما وقع له من الآي ولو قل ليشمل بذلك نقل جميع ما جاء به صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                  قوله: (وحدثوا عن بني إسرائيل)؛ يعني مما وقع لهم من الأمور العجيبة والغريبة، وقيل: المراد ببني إسرائيل أولاد إسرائيل نفسه وهم أولاد يعقوب، والمراد حدثوا عنهم بقصتهم مع أخيهم يوسف، وهذا بعيد وفيه تضييق. وقال مالك: المراد جواز التحديث عنهم بما كان من أمر حسن، أما ما علم كذبه فلا. وقيل: المعنى: حدثوا عنهم مثل ما ورد في القرآن والحديث الصحيح. وقيل: المراد جواز التحدث عنهم بأي صورة وقعت من انقطاع أو بلاغ لتعذر الاتصال في التحديث عنهم بخلاف الأحكام الإسلامية، فإن الأصل في التحديث بها الاتصال، ولا يتعذر ذلك لقرب العهد.

                                                                                                                                                                                  قوله: (ولا حرج)؛ أي: ولا ضيق عليكم في الحديث عنهم، وإنما قال " ولا حرج " لأنه كان قد تقدم منه -صلى الله عليه وسلم- الزجر عن الأخذ عنهم والنظر في كتبهم ثم حصل التوسع في ذلك، وكان النهي قبل استقرار الأحكام الشرعية والقواعد الدينية خشية الفتنة، ثم لما زال المحذور وقع الإذن في ذلك لما في ذلك من الاعتبار عند سماع الأخبار التي وقعت في زمانهم. وقيل: " لا حرج " أي: لا تضيق صدوركم بما سمعتموه عنهم من الأعاجيب، فإن ذلك وقع لهم كثيرا. وقيل: لا حرج في أن لا تحدثوا عنهم؛ لأن قوله أولا: " حدثوا " صيغة أمر يقتضي الوجوب، فأشار إلى عدم الوجوب وأن الأمر فيه للإباحة بقوله: " ولا حرج "؛ أي: في ترك التحديث عنهم. وقيل: المراد رفع الحرج عن حاكي ذلك لما في أخبارهم من الألفاظ المستبشعة نحو قولهم: اذهب أنت وربك فقاتلا، وقولهم: اجعل لنا إلها. قلت: قوله: " صيغة أمر يقتضي الوجوب " ليس ذلك على إطلاقه، وإنما الأمر إنما يقتضي الوجوب بصيغته إذا تجرد عن القرائن، وهنا قوله: " ولا حرج " قرينة على أنه [ ص: 46 ] ليس بواجب ولا هو للندب. وقال الكرماني: الأمر للإباحة، إذ لا وجوب ولا ندب فيه بالإجماع.

                                                                                                                                                                                  قوله: (ومن كذب علي...) إلى آخره قد مر نحوه في كتاب العلم في باب إثم من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم، فإن البخاري روى في هذا الباب عن خمسة من الصحابة وهم علي بن أبي طالب والزبير بن العوام وأنس بن مالك وسلمة بن الأكوع وأبو هريرة، وروى أيضا في الجنائز في باب ما يكره من النياحة عن المغيرة، وروى أيضا هاهنا عن عبد الله بن عمرو، وقد تكلمنا هناك بما فيه الكفاية.

                                                                                                                                                                                  قوله: (فليتبوأ) بكسر اللام هو الأصل، وبالسكون هو المشهور، وهو أمر من التبوء وهو اتخاذ المباءة أي: المنزل، وقال الجوهري: تبوأت منزلا أي: نزلته.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية